وبقاء النوع ، فإن ذلك يدعو إلى جزائه بذمه على الأقل وإن لم يكن يعود ذلك الفعل بالضرر على شخص الذام ، وإنما ذلك لغرض دفع المفسدة العامة التي يناله ضررها بوجه [1] . وكل عاقل يحصل له هذا الداعي للمدح والذم لغرض تحصيل تلك الغاية العامة . وهذه القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء من المدح والذم لأجل تحصيل المصلحة العامة تسمى " الآراء المحمودة " و " التأديبات الصلاحية " وهي لا واقع لها وراء تطابق آراء العقلاء . وسبب تطابق آرائهم شعورهم جميعا بما في ذلك من مصلحة عامة . وهذا هو معنى التحسين والتقبيح العقليين اللذين وقع الخلاف في إثباتهما بين الأشاعرة والعدلية ، فنفتهما الفرقة الأولى وأثبتتهما الثانية . فإذ يقول العدلية بالحسن والقبح العقليين يريدون أن الحسن والقبح من الآراء المحمودة والقضايا المشهورة التي تطابقت عليها الآراء ، لما فيها من التأديبات الصلاحية ، وليس لها واقع وراء تطابق الآراء ( 2 ) . والمراد من " العقل " إذ يقولون : إن العقل يحكم بحسن الشئ أو قبحه هو " العقل العملي " ويقابله " العقل النظري " والتفاوت بينهما إنما هو بتفاوت المدركات . فإن كان المدرك مما ينبغي أن يعلم مثل قولهم : " الكل أعظم من الجزء " الذي لا علاقة له بالعمل ( 3 ) يسمى إدراكه " عقلا نظريا " وإن كان المدرك مما ينبغي أن يفعل ويؤتى به أو لا يفعل - مثل حسن العدل وقبح الظلم - يسمى إدراكه " عقلا عمليا " . ومن هذا التقرير يظهر كيف اشتبه الأمر على من نفى الحسن والقبح في استدلالهم على ذلك بأنه : لو كان الحسن والقبح عقليين لما وقع
[1] غير مستقيم . راجع عن توضيح هذا البحث كتاب " أصول الفقه " للمؤلف في مبحث الملازمات العقلية ، ففيه غنى للطالب ، إن شاء الله تعالى . ( 3 ) مباشرة .