- 5 - الطريق الأساس الفكري لتحصيل البرهان عند العقلاء قضيتان أوليتان لا يشك فيهما إلا مكابر أو مريض العقل ، لأنهما أساس كل تفكير ، ولم يتم اختراع ولا استنباط ولا برهان بدونهما ، حتى الاعتقاد بوجود خالق الكائنات وصفاته مرتكز عليهما ، وهما : 1 - إن كل ممكن لابد له من علة في وجوده . ويعبر عن هذه البديهة أيضا بقولهم : استحالة وجود الممكن بلا علة . 2 - كل معلول يجب وجوده عند وجود علته . ويعبر عنها أيضا بقولهم : استحالة تخلف المعلول عن العلة . ولما كان اليقين بالقضية من الحوادث الممكنة ، فلابد له من علة موجبة لوجوده ، بناء على البديهة الأولى . وهذه العلة قد تكون من الداخل ، وقد تكون من الخارج . الأول : أن تكون من الداخل ، ومعنى ذلك : أن نفس تصور أجزاء القضية - طرفي النسبة [1] - علة للحكم والعلم بالنسبة [2] كقولنا : " الكل أعظم من الجزء " وقولنا : " النقيضان لا يجتمعان " . والبديهتان اللتان مر ذكرهما في صدر البحث أيضا من هذا الباب ، فإن نفس تصور الممكن والعلة كاف للحكم باستحالة وجود الممكن بلا علة ، ونفس تصور العلة والمعلول كاف للحكم باستحالة تخلفه عن علته ، فلا يحتاج اليقين في مثل هذه القضايا إلى شئ آخر وراء نفس تصور طرفي القضية ، ولذا تسمى هذه القضايا ب " الأولية " كما تقدم في بابها [3] لأنها أسبق من كل قضية لدى العقل . ولأجل هذا قالوا : إن القضايا الأوليات هي العمدة في مبادئ البرهان .
[1] وكذا النسبة . [2] أي العلم بوجود النسبة . [3] راجع ص 328 .