إنارة : إن الأصل في التعريف هو الحد التام ، لأن المقصود الأصلي من التعريف أمران : الأول تصور المعرف - بالفتح - بحقيقته ، لتتكون له في النفس صورة تفصيلية واضحة . والثاني تمييزه في الذهن عن غيره تمييزا تاما . ولا يؤدى هذان الأمران إلا بالحد التام ، وإذ يتعذر الأمر الأول يكتفى بالثاني ويتكفل به الحد الناقص والرسم بقسميه ، والأقدم تمييزه تمييزا ذاتيا ويؤدى ذلك بالحد الناقص ، فهو أولى من الرسم ، والرسم التام أولى من الناقص . إلا أن المعروف عند العلماء : أن الاطلاع على حقائق الأشياء وفصولها من الأمور المستحيلة أو المتعذرة [1] . وكل ما يذكر من الفصول فإنما هي خواص لازمة تكشف عن الفصول الحقيقية [2] . فالتعاريف الموجودة بين أيدينا أكثرها أو كلها رسوم تشبه الحدود . فعلى من أراد التعريف أن يختار الخاصة اللازمة البينة بالمعنى الأخص ، لأنها أدل على حقيقة المعرف وأشبه بالفصل . وهذا أنفع الرسوم في تعريف الأشياء . وبعده في المنزلة التعريف بالخاصة اللازمة البينة بالمعنى الأعم . اما التعريف بالخاصة الخفية غير البينة فإنها لا تفيد تعريف الشئ لكل أحد [3] فإذا عرفنا المثلث بأنه " شكل زواياه تساوي قائمتين " فإنك لم تعرفه إلا للهندسي المستغني عنه .
[1] أي : لا يمكننا الاطلاع وإن لم يكن مستحيلا ، فرب ممكن لا يقدر عليه الإنسان . [2] أي تكشف عن أنها موجودة ، لا أنها توجب معرفتها . [3] وقوع الكل بعد السلب يفيد أن السلب ورد على العموم ، فمفاد العبارة : إن التعريف بالخاصة الخفية غير عام الفائدة وإن كان قد يفيد لبعض الأفراد . ولكنه ينافي الجملة اللاحقة التي هي صريحة في أنه لا يفيد لأحد ، أما غير الهندسي فواضح ، وأما الهندسي فلاستغنائه عنه وكونه تحصيلا للحاصل .