نام کتاب : المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 1 صفحه : 288
الشديدة تقوي في النفس أنّهم كانوا ينظرون إلى عدم التغيّر معوّلين على قوله صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « خلق الماء طهورا لا ينجّسه شيء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » وهذا فيه تحقيق ، وهو أنّ طبع كلّ مايع أن يقلَّب إلى صفة نفسه كلّ ما يقع فيه وكان مغلوبا من جهته وكما ترى الكلب يقع في المملحة فيستحيل ملحا ويحكم بطهارته لصيرورته ملحا وزوال صفة الكلبيّة عنه ، فكذلك الخلّ يقع في الماء واللَّبن يقع فيه وهو قليل فيبطل صفته ويتّصف بصفة الماء وينطبع بطبعه إلا إذا كثر وغلب ويعرف غلبته بغلبة طعمه أو لونه أو ريحه فهذا هو المعيار ، وقد أشار الشرع إليه في الماء القويّ على إزالة النجاسة فهو جدير بأن يعوّل عليه فيندفع به الحرج فيظهر معنى كونه طهورا إذ يغلب غيره فيطهّره كما صار كذلك فيما بعد القلَّتين وفي الغسالة وفي الماء الجاريّ . قال : « وأمّا قوله صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « لا يحمل خبثا » فهو في نفسه مبهم فإنّه يحمل إذا تغيّر ، فإن قيل : أراد به إذا لم يتغيّر فيمكن أن يقال : أراد به أنّه في الغالب لا يتغيّر بالنجاسات المعتادة وهو تمسّك بالمفهوم فيما إذا لم يبلغ قلَّتين وترك المفهوم بأقلّ من الأدلَّة الَّتي ذكرناها ممكن ، وقوله : « لا يحمل خبثا » ظاهره نفي الحمل أي يقلَّبه إلى صفة نفسه كما يقال : المملحة لا تحمل كلبا ولا غيره ، أي ينقلب إلى صفته وذلك لأنّ الناس قد يستنجون في المياه القليلة في الغدران [1] ويغمسون الأواني النجسة فيها ثمّ يتردّدون في أنّها تغيّرت تغيّرا مؤثّرا أم لا فبيّن أنّه إذا كان قلَّتين لا يتغيّر بهذه النجاسات فإن قلت : فقد قال : « لا يحمل خبثا » ومهما كثرت حملها فهذا ينقلب عليك فإنّها مهما كثرت حملها حكما كما حملها حسّا فلا بدّ من التخصيص بالنجاسات المعتادة على المذهبين جميعا » . أقول : المستفاد من أخبارنا أنّ الماء المستعمل في الطهارة من الحدث والشرب اختيارا لا بدّ له من مزيد اختصاص ولا سيّما المستعمل في الطهارة وأقلَّه أن لا يلاقي شيئا من النجاسات إن قلّ وعلى هذا جاز حمل ما يدلّ على انفعال الماء القليل بدون التغيّر على المنع من استعماله اختيارا في أحد الأمرين خاصّة دون سائر الاستعمالات ،
[1] الغدران جمع غدير وهي القطعة من الماء يغادرها السيل .
288
نام کتاب : المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 1 صفحه : 288