يسمى توفيقا والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى إغواء وخذلانا . فإن المعاني المختلفة تحتاج إلى أسامي مختلفة . والملك في الشريعة عبارة عن خلق خلقه الله تعالى شأنه إفاضة الخير وإفاضة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف وقد خلقه وسخره لذلك . والشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك وهو الوعد بالشر والتخويف عند الهم في الخير بالفقر كما في قوله تعالى : الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ . فالوسوسة في مقابلة الإلهام والشيطان في مقابلة الملك والتوفيق في مقابلة الخذلان . وقد نقلنا ما مر الحديث المروي عن رسول الله عليه وآله صلوات الله في الدارين : في القلب لمتان : لمة من الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير . وقال ع أيضا : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن والله سبحانه يتعالى عن أن يكون إصبعه جسما مركبا من لحم وعظم ودم منقسما بالأنامل . ولكن روح الإصبع وحقيقته . ومعناه واسطة التحريك والتقليب والقدرة على التغيير والتفريق . وكما أنك تفعل بأصابعك فالله تعالى إنما يفعل ما يفعله باستسخار الملك والشيطان وهما جوهران مسخران بقدرته في تقليب القلوب كما أن قوى أصابعك مسخرة لك في تقليب الأجسام مثلا . والقلب وصفاؤه ولطائفه صالح بأصل الفطرة لقبول آثار الملكية والشيطانية صلاحا متساويا وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى والإكباب على الشهوات أو الإعراض عنها ومخالفتها . فإن اتبع الإنسان مقتضى شهواته وغضبه ظهر تسلط الشيطان بواسطة اتباع الهوى والشهوات بالأوهام والخيالات الفاسدة الكاذبة وصار القلب عش الشيطان ومعدنه لأن الهوى مرعى الشيطان ومرتعه لمناسبة ما بينهما