قال المحقّقون : إنّ سبب ذلك هو أنّ العلم نور يشرق في قلب العارف ، لأنّ هؤلاء يعتقدون « أنّ مثل القلب مثل المرآة المجلوّة المصقولة محاذياً للّوح المحفوظ وما عليه من العلوم والحقائق الإلهية ، فكما لا يمكن أن يكون شئ محاذياً للمرآة المصقولة ولا يؤثّر فيها ، فكذلك لا يمكن لشئ أن يكون محاذياً للّوح المحفوظ وهو لا يرى في المرآة القلبية الصافية . وعن حقيقة الأدران الحاصلة والأوساخ العارضة للمرآة القلبية بسبب التعلّقات الدنيوية أخبر الله تعالى بقوله : * ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) * [1] وبقوله : * ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) * [2] وبقوله : * ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) * [3] . وغير ذلك من الآيات . * ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) * [4][5] . فمثل أهل النظر والاستدلال في تحصيل المعارف ، وأهل المكاشفة والتصفية في مشاهدة الحقائق ، كمثل أهل الروم والصين في صناعتهم للتصوير الذي حكاه الغزالي في إحياء العلوم عنهم ، وهو : « أنّ أهل الروم قاموا وتوجّهوا إلى سلطان الصين ودخلوا عليه وقالوا : نحن جئنا من الروم في دعوى مع أهل الصين في صناعتهم التي هم مشهورون بها ، أعني صنعة النقش والتصاوير . فقال لهم السلطان : فكيف نعرف صنعتكم وصنعتهم ؟ فقال أهل الروم : عيّن لنا موضعين بحيث ما يطّلع أحد منّا على الآخر حتى نعمل صنعتنا ، فذاك الوقت أنت تحكم بيننا .