فإذا كان السمع إلهياً فإنّه لا يسمع إلاّ الحقّ ، وإذا كان البصر إلهياً فإنّه لا يرى إلاّ الحقّ ، وإذا كان اللسان إلهياً فإنّه لا ينطق إلاّ بالحقّ ، وإذا كانت اليد إلهيةً فإنّها لا تبطش إلاّ بالحقّ ، فيكون هذا العبد إلهياً في كلّ حركاته وسكناته ، ويصير مصداقاً للحديث : « إنّ المؤمن ينظر بنور الله » [1] . هذه إلمامة عن هذه المدرسة ، أمّا التفاصيل فمتروكة إلى الكتب المختصّة بهذا الفنّ ، منها « شرح منازل السائرين » لعبد الرزاق القاساني و « شرح التلمساني على منازل السائرين » وغيرهما . ولهذه المدرسة أتباع كثيرون في تاريخ الفكر الإسلامي منهم : بايزيد البسطامي ، الحلاّج ، الشبلي ، الجنيد البغدادي ، ذو النون المصري ، أبو القاسم القشيري ، ابن فارض المصري ، المولوي الرومي ، وأمثالهم كثير . ولكن يعدّ الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي على رأس مدرسة العرفان النظري ; لأنّه الذي استطاع أن يجعل هذا اللون من المعرفة علماً مستقلاًّ ، له موضوع ومسائل ومبادئ ، وبذلك امتاز هذا الفرع من المعرفة عن باقي الفروع ، وكلّ من جاء بعده من العرفاء فإنّه كان يدور في ذات الدائرة التي وضع أُسسها هذا العارف المحقّق .