والمقارنات ، فإنّ مثل هذه المفاهيم لا توجد ، كما إذا رأينا النار آلاف المرّات وأحسسنا بالحرارة آلاف المرّات أيضاً ، ولكنّنا لم نقارن بينهما ولم نلتفت إلى وجود أحدهما من الآخر ، فإنّ مفهوم العلّة والمعلول لن يحصل إطلاقاً » [1] ، ولأجل أنّ هذه المفاهيم لا تنتزع من الخارج بالمباشرة سمّيت ب « المعقولات الثانوية » ، وهذه المفاهيم بالرغم من كونها غير منتزعة من الواقع الخارجي مباشرةً ، إلاّ أنّها تنطبق على الموجودات الخارجيّة بنحو من أنحاء الانطباق . قال الشهيد مطهّري في هذا المجال : « إنّ هذه المفاهيم وإن لم تأت إلى الذهن من خلال الحواس مباشرةً إلاّ أنّها تصدق على الأشياء في ظرف الخارج ، مثل مفهوم الوجوب والإمكان والامتناع » [2] . فمثلاً عندما نقول : « الله تعالى واجب الوجود ، الإنسان ممكن الوجود » ليس المقصود إثبات الوجوب والإمكان للمفاهيم الذهنية ، بل إثبات هذه الصفات للحقائق الخارجيّة ، إلاّ أنّها مع ذلك ليست محسوسة ، ولا تأتي إلى الذهن من خلال الحواس مباشرةً ، ولا يوجد لها ما بإزاء مستقلّ في الخارج ، ومن هنا لا يمكن الإشارة الحسّية إلى مثل هذه المفاهيم ، وهذا هو مراد الحكماء من أنّ المفاهيم الفلسفيّة معقولة وليست محسوسة . قال صدر المتألّهين في هذا المجال : « وبالجملة : فقد تبيّن لك الآن أنّ مفهوم الوجود العام وإن كان أمراً ذهنيّاً مصدريّاً انتزاعيّاً ، لكن أفراده وملزوماته أمور عينيّة . . . ثمّ يلزم الجميع في الذهن الوجود العام البديهي » [3] . وقال العلاّمة الطباطبائي في تعليقه على عبارة صدر المتألّهين : « مفهوم الوجود العام البديهي من الاعتبارات الذهنية التي لا تحقّق لها في خارجه ، لا
[1] المصدر السابق : ج 1 ص 201 . [2] شرح المنظومة ، السبزواري ، مصدر سابق : ج 2 ص 43 . [3] الحكمة المتعالية ، صدر المتألّهين ، مصدر سابق : ج 1 ص 49 .