1 - إنّ المفاهيم الماهويّة تنقسم إلى كلّية وجزئيّة ، فالمفهوم الكلّي الماهوي من قبيل مفهوم « الإنسان » الذي يقبل الانطباق على مصاديق كثيرة ، والمفهوم الجزئي الماهوي من قبيل « زيد » الذي لا يقبل الانطباق - بحسب الاصطلاح المنطقي - إلاّ على مصداق واحد في الواقع الخارجي . وأمّا المفاهيم الفلسفيّة فلا تكون إلاّ كلّية ، ولا تنقسم إلى كلّية وجزئيّة ، وذلك من قبيل مفهوم العلّية والمعلوليّة والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان والقوّة والفعل ، فإنّنا لا نجد إلى جانب هذه المفاهيم الكلّية مفاهيم وتصوّرات جزئيّة ، ولا يوجد في أذهاننا صورة جزئيّة للعلّية مثلاً إلى جانب مفهومها العام الكلّي ، وكذا الحال بالنسبة إلى سائر المفاهيم الفلسفيّة . 2 - إنّ جميع المفاهيم الماهويّة تدخل تحت المقولات العالية المتباينة بتمام ذواتها ، ولازم ذلك أنّه إذا صدقت ماهيّة من الماهيّات على موجود خارجي ، فإنّه يستحيل أن تصدق عليه ماهيّة أخرى ، وذلك لأنّ الماهيّة - كما سيأتي - تبيّن حدّ الوجود [1] ، ومع فرض وحدة الوجود الخارجي ، يستحيل تعدّد حدّه ومرتبته ، وإلاّ يلزم أن يكون الواحد كثيراً ، وهو محال . فمثلاً : إذا كان الوجود الخارجي مصداقاً بالذات لمقولة الجوهر كالإنسان ، فإنّه يستحيل أن يكون مصداقاً ذاتيّاً لمقولة عرضيّة ، لأنّ الجوهريّة والعرضيّة بينهما تقابل وتباين ، فلا يجتمعان في شئ واحد بالذات . نعم ، يمكن أن يكون الشئ الواحد في الخارج مصداقاً لمقولتين ، إحداهما بالذات والأخرى بالعرض ، أو يكون مصداقاً لمقولتين بالعرض . وأمّا المفاهيم الفلسفيّة فيمكن أن تتعدّد على مصداق واحد بسيط في الخارج ، من دون أن يؤدّي ذلك إلى كثرة الجهات والحيثيّات الخارجيّة .
[1] هذا على مذاق القوم ، وسيأتي لنا كلام آخر لإتمام هذه النقطة في الفصل اللاحق .