وذكر أيضاً أنّ من أقسام التغاير بين موضوعات العلوم هو أن يكون أحد الموضوعين أعمّ كعموم الجنس للنوع أو لعارض النوع ، قال : « وهذا القسم نقسّمه على قسمين : قسم يجعل الأخصّ من جملة الأعمّ وفي علمه ، حتّى يكون النظر فيه جزءاً من النظر في الأعمّ ؛ وقسم يفرد الأخصّ من الأعمّ ولا يجعل النظر فيه جزءاً من النظر في الأعمّ ، ولكن يجعله علماً تحته . والسبب في هذا الانقسام هو أنّ الأخصّ ؛ إمّا أن يكون إنّما صار أخصّ بسبب فصول ذاتية ، ثمّ طلبت عوارضه الذاتية من جهة ما صار نوعاً ، فلا يختصّ النظر بشئ منه دون شئ وحال دون حال ، بل يتناول جميعه مطلقاً ، وذلك مثل المخروطات للهندسة ، فيكون العلم بالموضوع الأخصّ جزءاً من العلم الذي ينظر في الموضوع الأعمّ ، وإمّا أن يكون نظره في الأخصّ وإن كان قد صار أخصّ بفصل مقوّم ، فليس من جهة ذلك الفصل المقوّم وما يعرض له من جهة نوعيّته مطلقاً ، بل من جهة بعض عوارض تتبع ذلك الفصل ولواحقه . . . » [1] . فالشيخ يريد أن يقول في هذا التقسيم بأنّ البحث في العلم والموضوع الأخصّ تارةً يكون بحثاً عن أحكام الخصوصيّة ، وأخرى لا يكون كذلك ، وإنّما يقع البحث في أحكام الوجود المتخصّص بتلك الخصوصيّة ، فالحكم تارةً يكون لوجود الجسم مثلاً وأخرى يكون الحكم لذات حيثيّة الجسمية ، وهذا هو التفصيل الذي ذكرناه ، وأنّ ما يرتبط بالجسمية فهو عرض غريب والواسطة واسطة في العروض ، وما يرتبط بحيثيّة الوجود فهو عرض ذاتيّ ، والجسمية تكون واسطة في الثبوت ، فمجرّد كون العلم أخصّ لا يجعله فصلاً في الأعمّ ، بل لا بدّ أن ينظر إلى العوارض وأنّها عوارض الوجود أم عوارض الخصوصيّة .
[1] برهان الشفاء ، المقالة الثانية من الفنّ الخامس ، الفصل السابع ، أبو علي سينا ، مصدر سابق : ص 163 - 164 .