وأمّا الضابط الذي ذكروه سابقاً في التمييز بين العلوم الحقيقيّة - وهو أنّ البحث في كان التامّة بحث فلسفيّ ، وأمّا البحث حول كان الناقصة للأشياء فهو بحث طبيعيّ أو رياضيّ - فإنّه غير تامّ أيضاً ؛ لأنّ الفلسفة تبحث في كثير من مسائلها عن كان الناقصة للأشياء ، كالبحث عن أحكام الواجب والممكن وأحكام الماهيات ونحو ذلك ، فإنّها بحوث في كان الناقصة ، ومع ذلك هي من المسائل الفلسفيّة . وقد اتّضح أيضاً أنّ المحمول لا يكون عرضاً غريباً ، وإن كان عارضاً على الموضوع بواسطة أمر أخصّ ، ولكن بشرط أن يكون ذلك الأمر الأخصّ واسطة في الثبوت لا واسطة في العروض ، فالعرض يبقى عرضاً ذاتيّاً وإن اتّسعت دائرة الوسائط في الثبوت ، هذا كلّه في العلوم البرهانية . وأمّا العلوم الاعتبارية ، فقد تقدّم أنّ هذه الشرائط لا تجري فيها ، فسواء كانت الواسطة واسطة في الثبوت أم واسطة في العروض ، فإنّه لا يؤثّر في اندراج تلك المسألة في العلم الاعتباري الذي تُبحث فيه ، ولا ضرورة تقتضي نفي الواسطة في عروض محمولات ذلك العلم لموضوعات مسائله . وأخيراً لا بدّ من التنبيه إلى أنّ مثال الحرارة والبرودة للجسم ، إنّما ذكرناه للتوضيح وإيصال الفكرة ، وإلاّ فإنّ الحرارة والبرودة ليست من الأعراض الذاتية للجسم ، فلا معنى لأن يكون الجسم واسطة في ثبوتها للموجود . والحاصل : إنّ الأمر الأخصّ والواسطة إذا كانت واسطة في الثبوت فإنّه لا ينفي كون العرض عرضاً ذاتيّاً لموضوع العلم ، وأمّا إذا كان الأمر الأخصّ واسطة في العروض فالمحمول يكون عرضاً غريباً عن موضوع العلم . فلا بدّ من التمييز بين العوارض التي يكون الجسم أو الكمّ فيها واسطة في الثبوت ، فإنّها من أعراض الوجود الذاتية ، وبين العوارض التي يكون