فإذا كان المناط في جعل العارض لأمر أخصّ من العوارض الغريبة ، هو كون الأمر الأخصّ من المفاهيم الماهوية دون الفلسفيّة ، فإنّه منقوض بأحكام النفس والجسم والصورة ونحوها من الماهيّات ؛ إذ إنّ كثيراً من أحكامها عوارض ذاتية لموضوع الفلسفة ، مع أنّها عارضة لأمر أخصّ ، وذلك الأمر الأخصّ من الماهيّات كالنفس . والحاصل : إنّه بناءً على الضابط المذكور في العرض الذاتي ، يلزم خروج أكثر المسائل الفلسفيّة عن الفلسفة ، إذ إنّ أكثرها إنّما تعرض الموضوع لأمر أخصّ ، سواء كان ذلك الأمر الأخصّ من المفاهيم الفلسفيّة أو الماهويّة ، فلا بدّ من الالتزام بأنّ أحكام الوجوب والإمكان والتجرّد والنفس والجسم والصورة وغيرها ، كلّها من العوارض الغريبة في الفلسفة . ولا يمكن الجواب عن هذا النقض ، إلاّ أن نقول : إنّ كلّ ما ذكر من الأمور الخاصّة ، إنّما هي وسائط في الثبوت ، وليست هي وسائط في العروض ، والواسطة في الثبوت لا تجعل العارض لذي الواسطة من العوارض الغريبة ، وإنّما الواسطة في العروض هي التي تجعل العارض لذيها عرضاً غريباً . بيان ذلك : إنّ الواسطة في العروض هي التي تكون سبباً لعروض المحمول على الموضوع ، إلاّ أنّ المحمول يعرضها أوّلاً وبالذات ثمّ يعرض الموضوع ثانياً وبالعرض ، كما في قولنا : الميزاب يجري ، فإنّ الماء واسطة في عروض الجريان على الميزاب ، والجريان يعرض الماء أوّلاً وبالذات ثمّ يعرض الميزاب ثانياً وبالعرض والمجاز ، فإذا كانت الواسطة من هذا القبيل ، فإنّ المحمول يكون من العوارض الغريبة ، لأنّ المحمول في حقيقته ليس من عوارض الموضوع ، وإنّما هو من عوارض الواسطة ذاتاً وحقيقةً ، ويُحمل على