لكنّه يقال : أوّلاً : إنّنا لا نقبل أنّ الوجوب والإمكان وسائر المفاهيم الفلسفيّة الأخرى من الواسطة في الإثبات ، بل هي وسائط في الثبوت ، فإنّ الغنى لا يمكن أن يعرض الموجود بما هو موجود إلاّ إذا كان واجباً ، وكذا الفقر لا يمكن أن يعرض الموجود من حيث هو موجود إلاّ إذا كان ممكناً ، فالوجوب والإمكان علّة في ثبوت المحمول للموضوع ، أي أنّ أحكام الوجوب والإمكان لا يمكن ثبوتها للموجود في الواقع إلاّ بواسطة الوجوب والإمكان ، فيكون العارض للموجود بواسطته عارضاً لأمر أخصّ ، ويكون من العوارض الغريبة . وثانياً : إنّ بعض المحمولات في المسائل الفلسفيّة تكون عارضة لموضوع الفلسفة بواسطة بعض المفاهيم الماهويّة ، حيث جعل الحكماء البحث في أحكام الماهية من البحوث الفلسفيّة ، وجعلوا أحكام الماهيّات عوارض ذاتية لموضوع الفلسفة ، كما هو الحال في البحث عن النفس وأحكامها ، فإنّ النفس ماهية من الماهيّات ، لأنّها الفصل الأخير ، والفصل أحد الكلّيات الخمسة ، ومع ذلك يُبحث في الفلسفة عن أنّ الموجود إمّا مجرّد أو مادّي ، والموجود المجرّد إمّا عقل أو نفس ، ثمّ يبحث بعد ذلك في أحكام النفس وعوارضها ، فالنفس عارضة لأمر أخصّ وهو التجرّد ، كما أنّ أحكامها أيضاً عارضة لأمر أخصّ أيضاً وهو النفس ذاتها ، والنفس من الماهيّات ، فأحكام النفس عارضة على الموجود بواسطة مفهوم ماهويّ ، وهكذا الحال في المادّة ، فإنّها تعرض الموجود ؛ إذ الموجود إمّا مجرّد وإمّا مادّي ، والموجود المادّي إمّا جسم أو صورة ، فالجسم والصورة يعرضان الموجود بواسطة أمر أخصّ ، والمادّة والجسم والصورة من الماهيّات فأحكامها تكون عارضة على الموجود بواسطتها ، ويكون الأمر الأخصّ الذي تعرضه من المفاهيم الماهويّة .