نجد ذلك عند جملة من الفلاسفة الغربيين الذين يتوهّمون أنّ حقيقة الإنسان لا تتعدّى هذا الوجود المادّي المشهود أمامنا ، ولكن الفلسفة الإلهية تقول إنّ هذا البدن المادّي هو مظهر لحقيقة أخرى وراءه مجرّدة عن المادّة وقوانينها ، وهي التي تكوّن حقيقة الإنسان . وتسعى الفلسفة بموازينها الدقيقة إلى فصل الأمور الحقيقية عن الفئتين الأخريين . ولا شكّ أنّ تمييز الأمور الاعتبارية - التي تبدو كأنّها حقيقة - من الأمور الحقيقية والواقعية يعتبر من المواضيع المعقّدة التي زلّت فيها أقدام كثير من الفلاسفة » [1] . وكذلك ما يعتقده بعض المتكلّمين من أنّه لا وجود لمجرّدٍ سوى الله تعالى ، فينكر وجود العقل الذي هو موجود إمكانيّ مجرّد عن المادّة ذاتاً وفعلاً . والهدف الذي يروم الفيلسوف الوصول إليه من خلال تمييز الموجودات الحقيقة عن غيرها ، هو أنّ الإنسان بحسب جبلّته مفطور على طلب الحقيقة والبحث عنها . ويكمن هذا الأمر الفطري في وجود كلّ إنسان من خلال مقدّمات ثلاث : الأولى : إنّ الإنسان يشعر بالوجدان أنّ له حقيقة وواقعية ، وأنّه إذا استطاع أن ينكر أو يشكّ في كلّ شيء فإنّه لا يستطيع أن ينكر أو يشكّ أنّ له تحقّقاً وواقعية . وهذا في قبال طائفة من السوفسطائيين الذين أنكروا كلّ
[1] أسس الفلسفة والمذهب الواقعي ، العلامة السيّد محمد حسين الطباطبائي ، تعليق : الأستاذ الشهيد مرتضى المطهّري ، تعريب : محمد عبد المنعم الخاقاني ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت : ج 1 ، ص 46 .