خواصّ الأشياء وآثارها وهو ما يُسمّى بكان الناقصة فيندرج في مسائل سائر العلوم الأخرى ، وهي العلوم الجزئية . إذن : الحكمة النظرية تنقسم إلى قسمين أساسيّين ؛ الأوّل : هو البحث عن كان التامّة ، والآخر : هو البحث عن كان الناقصة ، وهذا أمر وجوديّ خارجيّ ونفس أمريّ ، وليس هو تقسيماً جعليّاً مبنيّاً على المواضعة والاعتبار ، فإنّ المسائل التي ترتبط بكان التامّة تختلف في حقيقتها عن المسائل المرتبطة بكان الناقصة ؛ إذ الأولى يبحث فيها عن ثبوت الشئ ، والثانية يبحث فيها عن ثبوت شئ لشئ ، وإحداهما غير الأخرى . وأمّا الحكمة العمليّة : فهي تلك المعارف والعلوم المرتبطة بما ينبغي وما لا ينبغي فعله ، وهي ناتجة عن مناشئ واقعيّة نفس أمرية ، إذ إنّ فطرة حبّ الكمال تدفع العقل الإنساني إلى الحكم بوجوب طلب ما يلائم الذات من الأشياء التي وقف على وجوداتها وتعرّف على خصائصها ، وكذا الحكم بعدم إنبغاء ما يُنافر الذات من تلك الأشياء وخواصّها . ومن ذلك كلّه يتبيّن أنّ تقسيم الحكمة إلى نظرية وعملية ليس قائماً على الوضع والجعل والاعتبار ، بحيث يمكننا أن نبحث ما هو نظريّ في الحكمة العملية وكذا العكس ، وإنّما هو ناتج عن مناشئ واقعيّة نفس أمرية تؤدّي بنا إلى عزل أحد هذين العلمين عن الآخر . وقد تعرّض الآملي إلى تلك المناشئ الواقعيّة في تعليقته على المنظومة ، حيث قال : « وتنقسم - أي الحكمة - إلى العلميّة والعمليّة ، والمراد بالأوّل هو العلم بما هو خارج عن حيطة قدرتنا وتحت اختيارنا ، وبالثاني هو العلم بما يكون من أفعالنا وفي حيطة قدرتنا واختيارنا » [1] .
[1] درر الفوائد ، محمّد تقي الآملي ، مصدر سابق : ج 1 ص 6 .