فالحكمة النظرية عبارة عن تلك المعارف التي تكون خارجة عن اختيار الإنسان ، لأنّها عبارة عن أمور واقعيّة ونفس أمرية ، لا دور للعقل فيها إلاّ الكاشفيّة ، فإنّ كون النفس المجرّدة مثلاً موجودة أو معدومة وواجدة لبعض الصفات الخاصّة أو فاقدة لها ، ليس للعقل أيّ مدخليّة في إثبات ذلك أو نفيه ، وإنّما دوره الكشف عن الواقع ، فقد يُصيبه وقد يُخطئه . والحكمة العملية عبارة عن تلك المعارف التي تكون داخلة في دائرة قدرة الإنسان وفاعليّته ، فإنّ العقل لا يحكم بالإنبغاء وعدمه إلاّ إذا كان الفعل مقدوراً وداخلاً تحت اختيار الإنسان . وهذا فرق أساسيّ بين متعلّق الحكمة النظرية ، فهو خارج عن الاختيار ، وبين متعلّق الحكمة العمليّة الذي هو داخل تحت الاختيار ، وفي ضوء ذلك يتمّ التقسيم والتمييز بين الحكمتين ، وهو تقسيم واقعيّ تكوينيّ وليس من قبيل تقسيم الأمور الاعتبارية التي ترتبط باعتبار المعتبر ، بحيث يستطيع الجاعل أن يُدرج في الحكمة النظرية ما هو من مسائل الحكمة العمليّة أو بالعكس . ومن ذلك يتّضح ضرورة مباحث الحكمة النظرية ، فما لم يُبحث عن وجود الشئ وعدمه وعن آثاره وأحواله ، لا يمكن الوصول إلى مقام « ينبغي ولا ينبغي » ، الذي هو مفاد الحكمة العمليّة ؛ لأنّ الشخص ما لم يقف على وجودات الأشياء وآثارها ودورها في الرقيّ الإنساني ، لا يستطيع عقله أن يحكم ب « ينبغي أو لا ينبغي » ، كما أوضحناه آنفاً . والفلسفة هي العلم الذي يتكفّل البحث عن كان التامّة للأشياء في الحكمة النظرية ، ولهذا نحن قلنا سابقاً بأنّ البحث الفلسفي من الفرائض وليس من النوافل . فحاجة الإنسان للفلسفة حاجة ضروريّة ، ولذا ذكر المؤرِّخون بأنّ الفلسفة وجدت مع وجود الإنسان ، فما دام الإنسان المفكّر