تختصّ بأحدهما دون الآخر ، فالوجود الذي لا سبب له ( وهو الواجب ) ثبت بالبرهان - كما سيأتي - والوجود الذي له سبب ( وهو الممكن ) ثبت بالحسّ ، لأنّه متعلّق بالأجسام المحسوسة ، وعبارة المصنّف وإن كانت مغلقة بعض الشئ ، إلاّ أنّ مراده ما بيّناه . أضواء على النص 1 - قوله « قدس سره » : ( وبالجملة هذا العلم لفرط علوّه وشموله ) . هذا شروع في بحث المبادئ التصوّرية والتصديقيّة لموضوع الفلسفة . والمراد من العلوّ هنا الشمولية ، وأنّه لا يوجد علم أوسع من علم الفلسفة موضوعاً ؛ ولذا قال : « وشموله » . 2 - قوله « قدس سره » : ( مستغنياً عن التعريف والإثبات ، وإلاّ لم يكن موضوعاً للعلم العامّ ) . هذا هو الدليل الأوّل لإثبات بداهة المبدأ التصوّري ، كما أنّ فيه إشارة أيضاً إلى الدليل الأوّل على بداهة المبدأ التصديقي ، وذلك بقرينة قوله : « التعريف والإثبات » . وقد أشار إلى هذا الدليل الشيخ الرئيس في إلهيات الشفاء ، فهو بعد أن تعرّض إلى العلوم الجزئية من الرياضيّات والطبيعيّات وغيرها ، وأثبت أنّ تحقيق موضوعاتها يُبحث في الفلسفة ، وأنّ موضوع الفلسفة هو الموجود بما هو موجود ، قال : « فظاهر لك من هذه الجملة أنّ الموجود بما هو موجود أمرٌ مشترك لجميع هذه ، وأنّه يجب أن يجعل الموضوع لهذه الصناعة ؛ لما قلنا ، ولأنّه غنيّ عن تعلّم ماهيّته وعن إثباته ، حتّى يحتاج إلى أن يتكفّل علم غير هذا العلم بإيضاح الحال فيه ؛ لاستحالة أن يكون إثبات الموضوع وتحقيق ماهيّته في العلم الذي هو موضوعه ، بل تسليم إنيّته وماهيّته فقط » [1] .
[1] إلهيّات الشفاء ، الشيخ الرئيس ، المقالة الأولى ، مصدر سابق : ص 13 .