وعمقها هي التي تشخّص المصداق الذي تنطبق عليه فطرة حبّ الكمال المطلق ، فإن كانت المعلومات ضيّقة وسطحيّة فلا تجد للفطرة مصداقاً غير النوم والأكل والشرب وغير ذلك من ملذّات عالم المادّة ، أو أنّها ترتفع أكثر إلى الجنان وملاذّ عالم الآخرة ، وأمّا إذا كان الإنسان واسعاً في علمه عميقاً في معرفته ، فإنّه سوف يعلم أنّ الدُّنيا والآخرة ليستا مصداقاً حقيقيّاً للكمال المطلق الذي تعلّقت به فطرته ، وإنّما مصداقه الحقيقي هو الله تعالى ، وهذه هي المعرفة التامّة للإنسان الكامل . والحاصل : إنّ الإنسان موجود مفكّر أوّلاً ، وعاشق للكمال المطلق ومحبّ له ثانياً . ما هي سُبل الوصول إلى الميول والأهداف ؟ بعد أن اتّضح لنا هدف الإنسان بوصف كونه مفكّراً ، وهو الوصول إلى الكمال المطلق ، يواجهنا السؤال التالي : ما هو الطريق للوصول إلى ذلك الهدف والغاية التي يرجوها الإنسان ؟ فهل هناك سبيل لنيل تلك الغاية وبلوغ شاطئ الاطمئنان النفسي والقلبي الذي تبتغيه الفطرة الإنسانية ، أم أنّه كتب على المسيرة البشريّة الطويلة والشاقّة أن لا انتهاء ولا هدف لها ؟ في مقام الإجابة عن هذا التساؤل الهامّ نقول : لو فتّشنا الأدوار المختلفة لقصّة الحضارة الإنسانيّة على مرّ التاريخ ، نجد أنّ قوافل البشر فيها انقسمت إلى فئتين : الفئة الأولى : هي التي أنكرت أن يكون لهذا العالم غاية وهدف ، وانتهت بتبع ذلك إلى إنكار العلّة الفاعليّة للعالم ، وذلك للترابط الوثيق بين الإيمان بالعلّة الغائية والإيمان بالعلّة الفاعليّة ، فالمسيرة الإنسانية في نظر هؤلاء بدأت