الدليل الثالث : وهو ما ذكروه في شرائط صحّة التعريف أعمّ من أن يكون تعريفاً ماهويّاً أو مفهوميّاً ، وهو أنّ المعرِّف - بالكسر - لا بدّ أن يكون مساوياً في الصدق والكذب للمعرَّف - بالفتح - وأن يكون أجلى وأوضح وأعرف منه ، وحيث إنّه لا يوجد أجلى وأظهر من مفهوم الموجود ، فلا يمكن أن يوجد له تعريف سواء كان تعريفاً مفهوميّاً أم ماهويّاً ، وقد أشار صدر المتألّهين إلى هذا الدليل بقوله : « وأمّا الثاني فلأنّه تعريف بالأعرف ، ولا أعرف من الوجود » ، فهذه العبارة ليست لنفي الرسم فقط كما تقدّم ، بل هي للإشارة إلى مطلق التعريف ولو كان تعريفاً مفهوميّاً . وهذا الوجه صحيح ، دالّ على بداهة مفهوم الموجود وعدم احتياجه إلى التعريف مطلقاً . الدليل الرابع : يريد أن يستند المصنّف في هذا الوجه إلى ما أشرنا إليه في المقدّمة الأولى ، وهو أنّ التصوّرات تنقسم إلى بديهيّة أوّلية الارتسام في النفس وإلى نظرية بحاجة إلى التعريف والبيان ، وهي لا تختلف من هذه الجهة عن التصديقات ، إذ إنّ من التصديقات ما هو نظريّ لا يمكن إدراكه ما لم ندرك قبله جملة من التصديقات الأخرى السابقة عليها ، وهكذا تتعاقب التصديقات في استناد إحداها إلى الأخرى إلى أن تصل إلى تصديقات معلومة بالذات لا يتقدّمها أيّ تصديق آخر ، وإلاّ فإنّه يلزم إمّا الدور أو التسلسل ، وكلاهما باطل ، إذ معناه أنّنا لا ننتهي إلى أيّ تصديق وتكون علومنا كلّها جهالات ، والتالي باطل ، لأنّنا نعلم بالوجدان بوجود الكثير من التصديقات في مخزوننا العلمي ، فالمقدّم مثله ، ويثبت بذلك وجود تصديقات أخيرة ثابتة بنفسها ومعلومة وبيّنة بذاتها لدى العقل ، كالقول بأنّ النقيضين لا يجتمعان