الدليل الثاني : إنّ التعريف الحقيقي المنطقي لا يكون إلاّ بالحدّ أو الرسم ، أي أنّ التعريف المنطقي إمّا أن يكون بالأجزاء الداخلية للماهية من جنس وفصل وهو التعريف بالحدّ ، وإمّا أن يكون تعريفاً بلوازم أجزاء الماهيّة من عرضيّ عامّ وعرضيّ خاص ، وهو التعريف بالرسم ، وكلا القسمين لا يمكن أن يتوفّر عليهما الموجود المطلق . أمّا الأوّل : وهو التعريف الحدّي ، فلأنّه تعريف ماهويّ لا يكون إلاّ بالجنس والفصل ، فما لا جنس ولا فصل له لا حدّ له ، وحيث إنّ مفهوم الموجود أعمّ الأشياء مفهوماً فلا جنس له ، وما لا جنس له لا فصل له ، وما لا جنس ولا فصل له لا حدّ له . وأمّا الثاني : فلأنّ التعريف بالرسم إنّما هو تعريف باللوازم ، والتعريف باللوازم يجب أن يكون تعريفاً بالأوضح والأعرف مفهوماً ، ولا فائدة من التعريف بالمساوي أو الأخفى ، فالمعرِّف - بالكسر - لا بدّ أن يكون أجلى وأعرف مفهوماً من المعرَّف - بالفتح - وإلاّ فلا تتحقّق الفائدة من بيان مفهومه ، وحيث إنّه لا يوجد أعرف من مفهوم الموجود ، فلا يمكن تعريفه بالرسم أيضاً . إذن فلا حدّ ولا رسم لمفهوم الموجود ، فلا يمكن تعريفه تعريفاً منطقيّاً ، وكلّ مَن رام بيان وتعريف الموجود بأشياء ومفاهيم على أنّها أوضح وأظهر منه فقد أخطأ خطأً فاحشاً [1] .
[1] ولكن هذا البيان إنّما ينفي التعريف الماهوي لموضوع الفلسفة ، ولا ينفي لنا التعريف المفهومي - كما سيأتي بيانه لاحقاً - حيث سنذكر أنّ التعريف على قسمين ، تعريف ماهويّ وتعريف فلسفيّ ، والمفاهيم الفلسفيّة وإن كانت غير قابلة للتعريف الماهوي بنفس الدليل الذي ذكره المصنّف ، إلاّ أنّه يمكن تعريفها بلوازمها المفهومية العامّة أو الخاصّة ، وهذا يختلف عن التعريف بالأجزاء الداخلية المقوّمة للماهية من جنس أو فصل ، وكذا يختلف عن التعريف بلوازم الأجزاء المقوّمة من خاصّة وعرض عامّ .