الطالب البحوث الفلسفيّة يحتاج إلى دراسة بعض المسائل الرياضيّة ليقوى عنده جانب البُعد التجريدي في تفكيره ، ولذا كان قدماء الفلاسفة وبعض المتأخّرين منهم يُحذِّرون من لم يقرأ الرياضيّات أن يباشر الدراسات الفلسفيّة . قال الشيخ حسن زاده آملي في حاشيته على الأسفار : « وإنّما سمّيت العلوم الرياضية بالتعليميّة ، لأنّهم كانوا يبتدئون في التعليم بها ليرتاض فكر طالب الحقائق بها ، فيعتدل ويستقيم ويعتاد لتحصيل الحقائق على ما هي عليها ، سيّما علم الهندسة ، التي لها شأن عظيم وحظّ جسيم في ذلك . قال الفارابي في رسالته ( فيما ينبغي أن يُقدّم قبل الفلسفة ) ما هذا لفظه : وأمّا الذي ينبغي أن يُبدأ به قبل تعلّم الفلسفة ، فأصحاب أفلاطون يرون أنّه علم الهندسة ، ويستشهدون على ذلك بقول أفلاطون ، لأنّه كتب على باب هيكله : ( مَن لم يكن مهندساً فلا يدخل علينا ) وذلك لأنّ البراهين المستعملة في الهندسة أصحّ البراهين كلّها » [1] . 7 - قوله « قدس سره » : ( الرياضيات من الهيئة والهندسة والحساب والموسيقى ) . إنّ هذا التقسيم الرباعي لعلم الرياضيات ناشئ من طبيعة موضوعه الذي هو الكمّ ، فإنّ الكمّ إمّا متّصل أو منفصل ، والكمّ المتّصل إمّا متحرّك أو ساكن ، فالمتحرّك هو موضوع علم الهيئة ، والساكن هو موضوع علم الهندسة ، والكمّ المنفصل إمّا أن تكون له نسبة تأليفيّة أو لا ، فإن كانت بين أجزائه هيئة تأليفيّة فهو موضوع علم الموسيقى ، وإذا لم تكن بين أجزائه هيئة ونسبة تأليفيّة فهو موضوع علم الحساب . ثمّ إنّ كلمة « هندسة » فارسيّة الأصل ، أصلها « أندزه » وهو مخفّف « أندازه » التي تعني الحجم والمقدار في اللغة الفارسيّة ، ولفظها بعد التعريب « هندسة » .
[1] الحكمة المتعالية ، صدر المتألّهين ، صحّحه وعلّق عليه آية الله حسن زاده آملي ، مصدر سابق : ج 1 ص 38 .