من أنّه : إمّا يكون مجرّداً عن المادّة ذهناً وخارجاً ، بمعنى أنّه لا يحتاج إلى المادّة لا في وجوده الخارجي ولا في وجوده الذهني ، وإمّا يكون محتاجاً إليها في كلا الوجودين ، وإمّا يحتاج إلى المادّة خارجاً لا ذهناً ، وإمّا يكون بالعكس ، لكن الأخير غير متحقّق ؛ لاستحالة أن يكون الشئ بحسب وجوده الذهني مادّياً وبحسب وجوده الخارجي مجرّداً ، وبقيّة الأقسام متحقّقة ، فما يكون مجرّداً خارجاً وذهناً فالبحث عنه هو العلم الإلهي ، كالبحث عن ذات الله سبحانه وأسمائه وصفاته ، والبحث عن المحتاج إلى المادّة بحسب الوجودين هو العلم الطبيعي ، فإنّ موضوعه الجسم من حيث إنّه واقع في التغيّر ، والجسم يحتاج إلى المادّة خارجاً كما هو واضح وذهناً ، حيث إنّ تصوّره إنّما هو بتصوّر هذا المركّب من المادّة والصورة ، فلا ينفكّ تصوّره عن تصوّر المادّة ، وما يحتاج إلى المادّة خارجاً لا ذهناً هو موضوع للعلم الرياضي بأقسامه الأربعة ، من الحساب والهندسة والهيئة والموسيقى » [1] . وذكر شيخنا الأستاذ حسن زاده آملي بياناً آخر للقسمة العقلية في تعليقته على الأسفار ، حيث قال : « وباعتبار آخر قسّموا الحكمة المطلقة هكذا : وهو أنّ الشئ - أي الوجود - إمّا يجب أن يكون في المادّة أو يمتنع ، أو تارةً يحصل فيها وتارةً يتجرّد عنها ، والذي يجب فإمّا يجب حصوله فيها في مادّة معيّنة أو لا في مادّة معيّنة ، بأن يكون في أيّ مادّة كانت . فالعلم الباحث عمّا يجب حصوله في مادّة معيّنة هو المسمّى بالعلم الطبيعي ، والذي يجب حصوله في مادّة غير معيّنة فالعلم الباحث عنه هو المسمّى بالرياضي ، والذي يمتنع حصوله في المادّة فالعلم الباحث عنه هو المسمّى بالعلم الربوبي ، والذي تارةً في المادّة وتارةً يتجرّد عنها فالعلم الباحث عنه هو المسمّى بالأمور العامّة ،
[1] درر الفوائد ، محمد تقي الآملي ، مصدر سابق : ج 1 ص 6 .