5 - قوله « قدس سره » : ( لكنّه لا يحتاج في أن يكون واحداً أو كثيراً إلى أن يصير رياضيّاً أو طبيعيّاً ) . فالموجود بما هو موجود ، صالح لأن يتّصف بالوحدة والكثرة ، وهذا معنى ما تقدّم من أنّ موضوع الفلسفة هو الموجود من حيث هو موجود من غير أن يتخصّص بتخصّص رياضيّ أو طبيعيّ ، ومن دون ذلك التخصّص لا يمكن أن يتّصف بالعوارض الذاتية الرياضيّة أو الطبيعيّة ، فلا يمكن أن يقال : إنّ الموجود إمّا حارّ أو بارد ، وإمّا كبير أو صغير ، ولكن يُقال : الموجود إمّا واجب أو ممكن ، والممكن إمّا جوهر أو عرض ، والجوهر إمّا عقل أو نفس أو جسم ، والجسم إمّا حارّ أو بارد ، كما أنّ الجسم الذي يعرضه الكمّ إمّا صغير أو كبير ، وهذه هي التخصّصات الطبيعيّة والرياضيّة . وهنا قد يٌتساءل : لماذا يقتصر الفلاسفة على ذكر التخصّص الطبيعي والرياضي ويُهملون بقيّة التخصّصات كالتخصص المنطقي والأخلاقي ؟ وحصيلة الجواب : إنّ تقسيمات الحكمة في الفلسفة القديمة كانت ترجع إلى هذه العلوم الثلاثة ؛ الإلهيّات والطبيعيّات والرياضيّات ، وتُدرج سائر فروع المعرفة الأخرى تحت هذه الأقسام الثلاثة ، فما لا يُبحث في الطبيعيّات والرياضيات يندرج بالضرورة في الأبحاث الفلسفيّة ، التي هي الإلهيّات بالمعنى الأعمّ . وقد ذكروا أنّ حصر العلوم بتلك الأقسام الثلاثة حصر عقليّ دائر بين النفي والإثبات ، فلا يخرج من الأقسام الناتجة عن قسمة عقلية ثنائية أيّ فرع من فروع المعرفة . وقد أكّد ذلك الحصر العقلي جملة من الفلاسفة . قال الآملي في تعليقته على شرح منظومة السبزواري : « الحكمة العلميّة تنقسم إلى أقسام ؛ لأنّ المعلوم الذي خارج عن قدرتنا لا يخلو بحسب التصوّر