وممّا ذكرناه من البيان يتّضح الخلل فيما ذكره الهيدجي في حاشيته على الأسفار ، حيث قال : « والمصنّف ربّما يعبّر بالوجود وربما يعبّر بالموجود ، كلاهما بمعنى واحد ، لأنّ الموجود الحقيقي هو الوجود » [1] . وهذا خلط بين المسألة وموضوع العلم ، فإنّ أصالة الوجود من مسائل العلم ، والموجود هو موضوعه كما بيّناه آنفاً ، وإطلاق الوجود على موضوع الفلسفة غير دقيق ولا يخلو عن تجوّز ومسامحة في التعبير ، وإن كان الوجود مصداقاً بالذات للواقعيّة بناءً على أصالة الوجود . وصدر المتألّهين عندما يعبّر عن موضوع الفلسفة بالموجود تارةً وبالوجود أخرى فباعتبار أنّه يختار أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة . 3 - عندما يقال إنّ موضوع الفلسفة هو الموجود المطلق ، فإنّ المراد من ذلك أنّه مقيّد بالإطلاق ، بمعنى أنّ الإطلاق ملحوظ بنحو الحيثيّة التقييديّة والبشرط شئ ، وهناك فرق كبير بين أن يكون موضوع الفلسفة لا بشرط من حيث الإطلاق والتقييد وبين أن يكون موضوعها بشرط شئ وهو الإطلاق ؛ إذ بناءً على ال « لا بشرط » يكون موضوع الفلسفة مطلق الموجود الشامل للموجود المطلق والمقيّد ، وأمّا بناءً على ال - « بشرط شئ » فيكون موضوعها الموجود المطلق ، وهذا البناء الثاني هو الصحيح ؛ لأنّ الموجود المطلق المقيّد بالإطلاق يقع في قبال سائر العلوم الخاصّة المقيّدة بقيد خاصّ كالرياضيّات ، فإنّ موضوعه : الموجودُ المأخوذُ بشرط شئ خاصّ وهو كونه من الأعداد مثلاً ، وكذا الطبيعيّات فإنّ موضوعَها الموجودُ المشروط بكونه من الأجسام . وأمّا الموجود المطلق بمعنى مطلق الوجود ، والذي أُخذ الإطلاق فيه بنحو اللا بشرط المقسمي والعنوان المشير فهو شامل للموجود المطلق بقيد
[1] الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 1 ص 24 ، الحاشية رقم : ( 2 ) .