فالمراد من قوله تعالى : * ( فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) * [1] هي صورة الإنسان ونفسه التي جاءت من عالم الأمر ، كما قال تعالى : * ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) * [2] . وقد بيّنت الآيات القرآنية بأنّ عالم الأمر هو عالم كُن فيكون ، قال تعالى : * ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) * [3] . وهذا يعني أنّ موجودات عالم الأمر كالنفس الإنسانيّة من الموجودات المجرّدة التي لا تتوقّف في إيجادها على استعداد وخروج من القوّة إلى الفعل . هذا ما يفهمه صدر المتألّهين من الآية المباركة ، وهو يفهم أيضاً بأنّ الحكمة النظرية تتعلّق بهذا الجانب المجرّد من وجود الإنسان . 21 - قوله « قدس سره » : ( * ( ثمّ رددناه أسفل سافلين ) * وهي مادّته التي هي من الأجسام المظلمة الكثيفة ) . يريد أن يقول المصنّف بأنّ هذا المقطع من الآية المباركة مرتبط بقوس النزول الذي أشرنا إليه سابقاً ، وقلنا بأنّه نزول وحركة في عوالم الوجود ، من دون أن يكون لاختيار الإنسان وإرادته أيّ مدخليّة أو تأثير في هذا النحو من النزول ، وإنّما هي حركة تكوينيّة تبدأ من عالم الربوبيّة وتنتهي بالإنسان إلى عالم المادّة ، فليس التعبير في الآية المباركة مرتبطاً بالبُعد العملي والأخلاقي ، وإنّما هو مرتبط بالبُعد النظري ، أي أنّ الإنسان بعد أن جاء إلى أسفل العوالم وأضعفها يُؤمر بالعروج والصعود إلى الله تعالى ، قال الله عزّ وجلّ : * ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه ) * [4] .