الأمر الأوّل : إنّ النفس تتّحد في وجودها مع الشئ المعلوم وتصير هي هو ، ولكن بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ، وبناءً على هذا التصوّر لا يكون العلم من المحمولات بالضميمة ، وإنّما يكون من الخارج المحمول . الأمر الثاني : إنّ حصول العلم ومجئ المعلوم لدى النفس العالمة ليس على سبيل الكون والفساد ، وإنّما يتحقّق ذلك من خلال الصيرورة والحركة الجوهريّة للنفس . ومن الجدير بالالتفات في المقام أنّ صدر المتألّهين وإن كان يعتقد بأنّ العلم نحو من أنحاء الوجود ، وأنّه يتحقّق عن طريق اتّحاد العالم والمعلوم بالذات بوجوده الذهني ، إلاّ أنّه يعتقد أيضاً بأنّ ذلك إنّما يحصل للنفس بعد الصيرورة والحركة الجوهريّة ، أي أنّ حقيقة العلم في بداية الأمر تكون من الكيفيّات النفسانيّة ، ثمّ بعد ذلك ومن خلال الحركة الجوهرية يصبح على نحو الاتّحاد بين العالم والمعلوم . وبعبارة أخرى : إنّ العلم يبدأ في بداياته عرضاً وحالاً من أحوال النفس الإنسانيّة ، ثمّ يصير بعد ذلك مَلَكة ، ثمّ يتّحد مع النفس ويكون جزءاً من أجزاء وجود الإنسان بسبب الحركة الجوهرية التي يؤمن بها صدر المتألّهين ، وليس من الصحيح أن ينسب إلى المصنّف القول بأنّ حقيقة العلم هي اتّحاد العالم والمعلوم من بداية الأمر . ثمّ إنّ القول بأنّ حقيقة العلم هي نحو من أنحاء الاتّحاد بين العالم والمعلوم بالذات ليس من مختصّات الحكمة المتعالية ، بل جاء ذلك في جملة من عبارات الشيخ الرئيس ، وذلك من قبيل ما جاء في كتابه ( النجاة ) ، حيث قال : « ويجب أن تعلم أنّ إدراك العقل للمعقول أقوى من إدراك الحسّ للمحسوس ; لأنّه أعني العقل يعقل ويدرك الأمر الباقي الكلّي ويتّحد به