بين الحكمتين ، فهو تقسيم واقعي تكويني ، وليس من قبيل الأمور الجعلية التي ترتبط باعتبار المعتبر . ثمّ إنّ صدر المتألّهين قد ذكر بأنّ ثمرة الحكمة النظرية وغايتها هي : « انتقاش النفس بصورة الوجود على نظامه بكماله وتمامه ، وصيرورتها عالماً عقلياً مشابهاً للعالم العيني ، لا في المادّة بل في صورته ورقشه وهيئته ونقشه » ، أي أنّ النفس تصبح بواسطة الحركة الجوهرية متّحدة بالشئ المعلوم ، ولكن بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ، ومن حيث الصورة لا المادّة المشتركة بين الجميع . وأمّا الحكمة العمليّة « فثمرتها مباشرة عمل الخير لتحصيل الهيئة الاستعلائية للنفس على البدن ، والهيئة الانقياديّة الانقهارية للبدن من النفس » . وقد أشار إلى ذلك الشيخ الرئيس أيضاً في إلهيّات الشفاء ، حيث قال : « وقد أشير إلى الفرق بينهما ، وذكر أنّ النظرية هي التي نطلب فيها استكمال القوّة النظرية من النفس بحصول العقل بالفعل ، وذلك بحصول العلم التصوّري والتصديقي بأمور ليست هي هي بأنّها أعمالنا وأحوالنا ، فتكون الغاية فيها حصول رأي واعتقاد ، ليس رأياً واعتقاداً في كيفيّة عمل أو كيفيّة مبدأ عمل من حيث هو مبدأ عمل . وأنّ العمليّة هي التي يطلب فيها أوّلاً استكمال القوّة النظرية بحصول العلم التصوّري والتصديقي بأمور هي هي بأنّها أعمالنا ، ليحصل منها ثانياً استكمال القوّة العمليّة بالأخلاق » [1] . ومن هذه العبارة يفهم بأنّ الحكمة النظرية والعمليّة كلتاهما مرتبطتان بالجانب الإدراكي في الإنسان ، وداخلتان تحت دائرة العقل النظري ، وليس
[1] الشفاء ، قسم الإلهيّات ، ابن سينا ، مصدر سابق : ص 405 .