« والأشياء الموجودة إمّا أشياء موجودة ليس وجودها باختيارنا وفعلنا ، وإمّا أشياء وجودها باختيارنا وفعلنا ، ومعرفة الأمور التي من القسم الأوّل تسمّى فلسفة نظرية ، ومعرفة الأمور التي من القسم الثاني تسمّى فلسفة عملية » [1] . وقال الآملي أيضاً في تعليقته على شرح المنظومة : « تنقسم - أي الحكمة - إلى العلميّة والعمليّة ، والمراد بالأوّل هو العلم بما هو خارج عن حيطة قدرتنا وتحت اختيارنا ، وبالثاني هو العلم بما يكون من أفعالنا وفي حيطة قدرتنا واختيارنا » [2] . وسيأتي لاحقاً في إشارات وتنبيهات هذه المقدّمة تفصيل البحث حول هذه النقطة ، حيث سيتّضح أنّ تقسيم الفلسفة إلى العلميّة والعمليّة من التقسيمات التكوينيّة والحقيقيّة النفس أمرية ، ولا يستند هذا النحو من التقسيم في أساسه إلى الجعل والمواضعة والاعتبار ، بحيث يمكننا أن نبحث ما هو نظري في الحكمة العملية أو بالعكس ، فهذا التقسيم الأوّلي للفلسفة ناتج عن مناشئ واقعيّة تؤدّي بنا إلى عزل أحد هذين العلمين عن الآخر . فالحكمة النظرية عبارة عن تلك المعارف التي تكون متعلّقاتها خارجة عن اختيار الإنسان ; لأنّها عبارة عن أمور واقعيّة وأعيان خارجيّة ، لا دور للعقل فيها إلاّ الكاشفيّة ، وأمّا الحكمة العمليّة فهي عبارة عن العلوم والمعارف التي تكون متعلّقاتها داخلة في دائرة قدرة الإنسان وفاعليّته ، وذلك لأنّ العقل لا يحكم بالإنبغاء وعدمه إلاّ إذا كان الفعل مقدوراً وداخلاً تحت اختيار الإنسان . وفي ضوء هذا النحو من مناشئ الاختلاف الحقيقيّة يتمّ التقسيم والتمييز
[1] الشفاء ، قسم المنطق ، ابن سينا ، مصدر سابق : ج 1 ص 12 . [2] درر الفوائد ، محمّد تقي الآملي ، مصدر سابق : ج 1 ص 6 .