الفرق بينهما إلاّ من جهة أنّ المعلوم في الحكمة النظرية لا يستدعي جرياً عمليّاً لخروجه عن قدرة الإنسان واختياره ، وأمّا المعلوم في الحكمة العملية فهو يقتضي جرياً عمليّاً ; لأنّه داخل في محوّطة اختيار الإنسان وقدرته . وهذا ما صرّح به الشيخ الرئيس أيضاً في منطق الشفاء ، حيث قال : « والفلسفة النظرية إنّما الغاية فيها تكميل النفس بأن تعلم فقط ، والفلسفة العمليّة إنّما الغاية فيها تكميل النفس ، لا بأن تعلم فقط ، بل بأن تعلم ما يُعمل به فتعمل . فالنظرية غايتها اعتقاد رأي ليس بعمل ، والعمليّة غايتها معرفة رأي هو في عمل ; فالنظرية أولى بأن تنسب إلى الرأي » [1] . ومن هنا يتّضح الفرق بين الحكمة العمليّة وبين العقل العملي ، فالحكمة العمليّة داخلة في دائرة العلم والعقل النظري ، وإن استدعى المعلوم فيها جرياً عمليّاً ، وأمّا العقل العملي فهو عبارة عن القوّة العاملة في الإنسان في قبال القوّة المدركة ، وذلك لأنّ قوى النفس الدرّاكة وظيفتها الإدراك سواء كان متعلّقاً بالحكمة النظرية أو بالحكمة العمليّة ، وأمّا قوى النفس العمّالة فليست وظيفتها إلاّ العمل ، وليس من شأنها الإدراك ، وهذا هو ما يسمّى بالعقل العملي في الإنسان . قال بهمنيار في التحصيل : « ويسمّى عقلاً عمليّاً ، لأنّ بها تعمل النفس ، وإنّما يسمّى عقلاً لأنّها هيئة في ذات النفس لا في مادّة ، وهي العلاقة بين النفس والبدن ، وليس من شأنها أن تدرك شيئاً ، بل هي عمّالة فقط » [2] .
[1] الشفاء ، قسم المنطق ، ابن سينا ، مصدر سابق : ج 1 ص 12 . [2] التحصيل ، بهمنيار المرزبان ، تصحيح وتعليق : الأستاذ مرتضى المطهّري ، منشورات جامعة طهران : ص 789 .