ثمّ إنّ الرياضات الشرعية لا بدّ أن تُؤخذ من أشخاص يُطمأنّ إليهم ، لا أن تُؤخذ من أيّ أحد ، وإلاّ فإنّ كثيراً من الانحرافات الحاصلة في هذا المجال أصلها هو انحراف الجهة المأخوذ عنها وعدم وثاقتها ، ولعلّ هذا من جملة أسباب حصول الشطحات التي نسمع ونقرأ عنها . ومن هذا كلّه يُفهم أنّ السالك في السفر الأوّل يحتاج إلى مُرشد ومُعلّم يضع أقدامه على الطريق الصحيح ، ويدفع عنه الوقوع في الزلل قولاً وعملاً ، فإنّ السالك إذا ما تُرك وشأنه قد يقع في براثن العُجب والغرور ، خصوصاً إذا حصل له شئ يحسبه كرامة ومنزلة له ، وهذا ما يؤدّي به إلى الانحراف ومتابعة الشيطان ، فلا بدّ من وجود مُرشد يصحّح له الطريق ويُجنّبه الوقوع في المهالك ويساعده ويأخذ بيده ؛ يقول السيد الخميني : « . . . وعند ذلك لا يرى الأشياء أصلاً ، ويفنى عن ذاته وصفاته وأفعاله . وفي هذين السفرين لو بقي من الأنانية شئ ، يظهر له شيطانه الذي بين جنبيه بالربوبية ويصدر منه الشطح » [1] . ويعبّر السيد الخميني هنا عن السالك في هذين السفرين - الأوّل والثاني - بأنّه لا يرى شيئاً ، لا أنّ الأشياء أصبحت معدومة حقيقة ، وإنّما بمعنى عدم الالتفات ، وهذا ما تقدّم ذكره في معنى الفناء ، حيث استهلاك الأغيار في الوحدة ، وهذه هي وحدة الشهود لا وحدة الوجود . والحاصل : إنّ السرّ في بقاء بعض الأنانية عند السالك يكمن في كون رياضاته لم تكن كاملة ، وأنّ سلوكه لم يكن صحيحاً ، وأنّ شيئاً من أنانيته لازال باقياً دون أن يكون مُلتفتاً إليه ؛ فتصدر منه الشطحيات ؛ ولذا يقول ( : « والشطحيات كلّها من نقصان السالك والسلوك وبقاء الإنيّة
[1] مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية ، مصدر سابق : ص 88 .