وعدم الالتفات إلى الذات فضلاً عن أفعالها وصفاتها ، وبذلك لا يرى العبد غير الله تعالى ، ويرى ذاته مجرّد مملوك لا يناسبه حتّى قول « أنا » فضلاً عن الشعور بها ، فيصل به المطاف إلى أن يكون الالتفات إلى نفسه وذاته ذنباً لا يُقاس به ذنب آخر ، وهذا هو معنى القول المأثور : « وجودك ذنب لا يُقاس به ذنب » [1] . ومما لا ينبغي الشكّ فيه هو أن السبب الأساس في بناء حجاب الذات هو الإنسان نفسه ، وأمّا الحق تبارك وتعالى فإنّه لا يحتجب عن الخلق بأيّ حجاب من تلقاء ذاته ؛ لأنّه نور السماوات والأرض . من هنا نجد أنّ القرآن الكريم يشير إلى هذه حقيقة ، كما في قوله تعالى : * ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) * [2] . فإنّيّة النفس والذات مانعة عن الانفتاح على ذلك الأُفق النوراني الذي لا يحدّه حدّ . إذن ينبغي أن يكون الهدف الأسمى للسالك هو العود إلى ذلك الأصل واندراج ذاته في طيّ الذات الواجبة كما تندرج القطرة في البحر ، وهذا هو معنى الفناء الحقيقي للذات ، وهو كمال الانقطاع إلى الله تعالى ، الذي يشير إليه الإمام أمير المؤمنين علي « عليه السلام » بقوله : « إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك . . . » [3] . وفي ذلك يقول السيد الخميني ( : « كمال الانقطاع المشار إليه هو الخروج من منزل الذات والذاتية ومن كلّ شئ وكلّ شخص للارتباط به
[1] منازل السائرين ، لأبي إسماعيل عبد الله الأنصاري ، شرح كمال الدين عبد الرزاق القاساني ، تحقيق وتعليق مُحسن بيدارفر ، انتشارات بيدار ، الطبعة الثانية ، 2002 م ، قم : ص 302 . [2] سورة ق : 22 . [3] مفاتيح الجنان ، للشيخ المحدّث عباس القمي ، دار الثقلين ، الطبعة الثالثة ، 1420 ه ، بيروت : ص 218 .