هي وحدة الشهود ، حيث لا يرى السالك غير محبوبه ومقصوده ، فيكون السالك عارفاً بربّه ، ويبقى عليه فيما بعد أن يرى بعينه الأُخرى أنّ الوحدة كامنة في الكثرة ، والكثرة كامنة في الوحدة ، وذلك عندما يصير السالك في وجوده حقّانياً ووليّاً من أولياء الله تعالى ، وهذا ما سنعرفه فيما بعد . وما دمنا بصدد بيان معنى الفناء فإنّه ينبغي توضيح مراتبه ، فإنّ للفناء مراتب ثلاثاً ، هي : المرتبة الأولى : الفناء عن التعلّقات النفسية . المرتبة الثانية : الفناء عن التعلّقات القلبية . المرتبة الثالثة : الفناء عن الذات . والمرتبة الأولى : هي المعبّر عنها أيضاً بالفناء الأفعالي ، حيث يصل السالك إلى مرتبة لا يرى فيها أفعاله ، بمعنى أنّه يراها أفعال الله سبحانه وتعالى لا أفعاله الشخصية ، وهذا هو معنى عدم الالتفات . وبهذه المرتبة يصل السالك إلى التوحيد الأفعالي ، حيث يرى نفسه واسطة تصدر من خلالها أفعال الله تعالى . وأما المرتبة الثانية : فهي المُعبّر عنها بالفناء الصفاتي ، حيث يفنى العبد عن صفاته وخصائصه وأخلاقه ، بمعنى عدم الالتفات لها لا بمعنى انعدامها ، ولذا فهو يرى أنّ ما يتمتّع به من صفات مجرّد عارية عائدة إلى الله تعالى ، فإن اتصف بالشجاعة مثلاً لا يأخذه الزهو والفخر ، وإنمّا يشعر بالفقر والخضوع ، وبهذا النحو من الفناء في الصفات يصل العبد الفاني إلى مقام التوحيد الصفاتي . وأما المرتبة الثالثة : فهي الأرقى والأشرف وتسمّى أيضاً بالفناء الذاتي ، ومن خلالها يصل العبد إلى التوحيد الذاتي ، فهذه المرتبة عبارة عن الفناء