قال تعالى : * ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) * [1] . وقال أيضاً : * ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ) * [2] . فالعالم الربوبي هو مبدأ الوجود لهذا العالم وهو غايته ، فهو واقع في أوّل العلل الفاعليّة على مستوى قوس النزول ، كما أنّه واقع في آخر العلل الغائيّة على مستوى قوس الصعود [3] . ثمّ إنّ هذه الحركة التكامليّة باتّجاه المبدأ ، إنّما تكون حركة إراديّة واختياريّة تترتّب عليها المسؤوليّة والثواب والعقاب ، ومن هنا ينقسم قوس الصعود إلى درجات الجنّة ودركات الجحيم ، ومن هذا القوس الصعودي تبدأ الأسفار العمليّة الأربعة عند العرفاء ، وهي أسفار معنوية في الدرجات الطوليّة للوجود غايتها الوصول والانتهاء إلى المبدأ الحقّ سبحانه وتعالى . قال الله عزّ وجلّ : * ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) * [4] . وقال أيضاً تبارك وتعالى : * ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) * [5] .
[1] الأعراف : 29 . [2] السجدة : 5 . [3] لعلّ النكتة في إطلاق لفظ « القوس » على عمليّة النزول والصعود ، أنّ هناك عمليّة بدء وعود ، والمبدأ في المقام هو الغاية ، ولكي يصحّ تصوير البدء من نقطة والعود إليها لا بدّ أن يكون ذلك على شكل الدائرة ، فيكون نصفها الأوّل هو قوس النزول والنصف الآخر هو قوس الصعود ، ويكون العود والصعود من المبدأ الصدوري والنزولي متعقّلاً ، وهذا بخلاف ما لو عبّرنا عن النزول والصعود بالخطّ ، فإنّه لا يعقل العود حينئذٍ إلى ذات نقطة المبدأ والنزول ، لأنّ الخطّين المفروضين إمّا أن يكونا متعاكسين أو متوازيين أو متقاطعين ، وفي كلّ الأحوال يستحيل العود إلى نقطة المبدأ كما هو واضح ، فلا خصوصيّة للتعبير بالقوسين سوى أنّهما يقرّبان المعنى الذي ذكرناه . [4] العلق : 8 . [5] البقرة : 156 .