هذه هي حصيلة العوالم التي تنزّل الإنسان منها إلى أن وصل إلى هذا العالم المادّي ، وفي ضوء ما تقدّم ينبغي أن يُعلم بأنّ هناك علاقة ورابطة وثيقة بين أعلى مراتب تلك العوالم وهو العالم العلوي المتمثِّل بعالم الربوبيّة ، وبين ما دونه من عوالم الإمكان ، وتلك العلاقة هي علاقة العلّية والمعلوليّة ، حيث يمثّل العالم الربوبي العلّة والمبدأ الفاعلي لما دونه من العوالم النازلة ، ويسمّى صدور ونزول تلك العوالم عن مبدئها في العالم العلوي بقوس النزول ، فإذا ما أطلق هذا العنوان فإنّه يُراد به عمليّة الصدور والنزول لموجودات عالم الإمكان بأسره ، ابتداءً من الصادر الأوّل ووصولاً إلى عالم المادّة والطبيعة . ومن الواضح أنّ الإنسان من جملة تلك الممكنات التي صدرت وتنزّلت من العالم الربوبي واجتازت جميع المراتب الطوليّة لذلك القوس النزولي ، ومن الثابت في أبحاث علم الكلام أنّ الإنسان لم يكن يتمتّع في تلك المراتب الطوليّة بأيّ إرادة أو اختيار يستدعيان التكليف بمعناه الاصطلاحي الفقهي ، وذلك يعني أنّه لم يرسم له أيّ تكليف في عوالم ومراتب قوس النزول ، وإنّما اقترن معه التكليف في نشأته الأخيرة وهو عالم المادّة . هذا كلّه على مستوى القوس النزولي من العالم العلوي إلى العالم السفلي . وأمّا على مستوى القوس الصعودي ، وهو السُّلّم الإرتقائي والتكاملي ، فإنّ العلاقة تبدأ وتنطلق من العالم السّفلي باتّجاه العالم العلوي ، انتهاءً إلى العالم الربوبي ، وذلك لأنّ الإنسان عندما ينتهي إلى عالم المادّة والاستعداد والخروج من القوّة إلى الفعل ، لا بدّ أن يبدأ سفراً جديداً للوصول إلى غايته والرجوع إلى موطنه الأصلي الذي جاء منه ، وهذا هو معنى العود والمعاد ، فكما بدأنا وانطلقنا من عالم الربوبيّة فإنّه يتحتّم علينا الرجوع والعود إليه .