الجداولُ على الشواطئِ زواهرَ ناضرةً وثمراً .وحيث كان من دأبِ الرحمةِ الإلهيةِ وشريعةِ العنايةِ الربانيةِ أن لا يهملَ أمراً ضروريّاً يحتاج إليه الأشخاصُ بحسبِ الاستعدادِ ، ولا يبخلَ بشئٍ نافعٍ في مصالحِ العبادِ ، فاقتضتْ رحمتُه أن لا تختفيَ في البطونِ والاستتارِ هذه المعاني المنكشفةُ لي من مُفيضِ عالمِ الأسرارِ ، ولا تبقى في الكتمانِ والاحتجابِ الأنوارُ الفائضةُ عليَّ من نورِ الأنوارِ ، فألهمني اللهُ الإفاضةَ ممّا شربْنا جرعةً للعطاشِ الطالبينَ والإلاحةَ مما وجدْنا لمعةً لقلوبِ السالكين ؛ ليحيا مَن شربَ منه جرعةً ، ويتنوّرَ قلبُ مَن وَجدَ منه لمعةً ، فبلغَ الكتابُ أجلَه ، وأراد اللهُ تقديمَه وقد كان أجّلَه ، فأظهرَه في الوقتِ الذي قدّرَه ، وأبرزَه على مَن له يسَّره .فرأيتُ إخراجَه من القوّةِ إلى الفعل والتكميلِ ، وإبرازَه من الخفاءِ إلى الوجودِ والتحصيلِ ، فأعملتُ فيه فكري ، وجمعتُ على ضمِّ شواردِه أمري ، وسألتُ اللهَ تعالى أنْ يشدّ أزري ويحطَّ بكرمِه وِزري ويشرحَ لإتمامِه صدري ، فنهضتْ عزيمتي بعدما كانت قاعدةً ، وهبّتْ همّتي غبّ ما كانتْ راكدةً ، واهتزّ الخامدُ من نشاطي ، وتموّجَ الجامدُ مِن انبساطي ، وقلتُ لنفسي : هذا أوانُ الاهتمامِ والشروعِ ، وذكرِ أصولِ يُستنبط منها الفروعُ ، وتحليةِ الأسماعِ بجواهرِ المعاني الفائقةِ ، وإبرازِ الحقِّ في صورتِه المُعجبةِ الرائقةِ ، فصنّفتُ كتاباً إلهيّاً للسالكين المشتغلينَ بتحصيل الكمالِ ، وأبرزتُ حكمةً ربّانيةً للطالبين لأسرارٍ حضرةِ ذي الجمال والجلالِ ، كاد أن يتجلّى الحقُّ فيه بالنور الموجِبِ للظهورِ ، وقرُبَ أنْ ينكشِفَ بها كلُّ مرموزٍ ومستورٍ .