وقد أطلعني اللهُ فيه على المعاني المتساطعةِ أنوارُها في معارفِ ذاتِه وصفاتِه ، مع تجوالِ عقولِ العقلاءِ حولَ جنابِه وترجاعهمْ حاسرينَ ، وألهمَني بنصرِه المؤيِّدِ به مَن يشاءُ مِن عبادِه الحقائقَ المتعاليةَ أسرارُها في استكشافِ مبدئِه ومعادِه ، مع تطوافِ فهومِ الفضلاءِ حريمَ حماهُ ، وتردادِهم خاسرينَ . فجاء بحمدِ الله كلاماً لا عوجَ فيه ، ولا ارتيابَ ولا لجلْجةَ ولا اضطرابَ يعتريه ، حافظاً للأوضاع ، رامزاً مشبعاً في مقام الرمز والإشباع ، قريباً من الأفهامِ في نهايةِ علوِّه ، رفيعاً عالياً في المقام مع غايةِ دنوِّه ، إذ قد اندمجتْ فيه العلومُ التألّهيةُ في الحكمة البحثيةِ ، وتدرّعتْ فيه الحقائقُ الكشفيةُ بالبياناتِ التعليميةِ ، وتسرْبَلَتْ الأسرارُ الربانيةُ بالعباراتِ المأنوسةِ للطباع ، واستُعمِلتْ المعاني الغامضةُ في الألفاظِ ، القريبةُ من الأسماع . فالبراهينُ تتبخترُ اتّضاحاً ، وشُبَهُ الجاهلينَ للحقِّ تتضاءلُ افتضاحاً . انظرْ بعينِ عقلِك إلى معانِيه ، هل تنظرُ فيه مِن قصورٍ ؟ ثمّ ارجعِ البصرَ كرّتين إلى ألفاظِه ، هل ترى فيه مِن فطور ؟ وقد أشرتُ في رموزِه إلى كنوزٍ من الحقائقِ لا يهتدي إلى معناها إلّا مَن عنّى نفسَه بالمجاهداتِ العقليةِ حتّى يعرفَ المطلبَ ، ونبّهتُ في فصولِه إلى أصولٍ لا يطّلعُ على مغزاها إلّا من أتعبَ بدنَه في الرياضاتِ الدينيةِ لكيلا يذوقَ المشربَ . وقد صنّفتُه لإخواني في الدين ، ورفقائي في طريق الكشفِ واليقين ، لأنّه لا ينتفعُ بها كثيرَ الانتفاعِ إلّا مَن أحاط بأكثرِ كلامِ العقلاءِ ، ووقفَ