وقرب أن ينكشف بها كلّ مرموز ومستور . . . فجاء بحمد الله كلاماً لا عوج فيه ، ولا ارتياب ولا لجلجة ولا اضطراب يعتريه . . . قريباً من الأفهام في نهاية علوّه ، رفيعاً عالياً في المقام مع غاية دنوّه ؛ إذ قد اندمجت فيه العلوم التألّهية في الحكمة البحثية ، وتدرّعت فيه الحقائق الكشفية بالبيانات التعليمية ، وتسربلت الأسرار الربّانية بالعبارات المأنوسة للطباع ، واستعملت المعاني الغامضة في الألفاظ القريبة من الأسماع ، فالبراهين تتبختر اتضاحاً ، وشُبه الجاهلين للحق تتضائل افتضاحاً ، انظر بعين عقلك إلى معانيه هل تنظر فيه من قصور ؟ ثم ارجع البصر كرّتين إلى ألفاظه هل ترى فيه من فطور ؟ » [1] . ولكن هذا الوضوح في العبارة وسهولة البيان لا يعني أنّ الكتاب أصبح شرعة لكلّ وارد , ولا يعني أيضاً أن إدراك معانيه والوقوف على حقائقه صار متيسّراً لكل من تصفّحه وطالعه , بل إنّ صدر المتألهين قد أودع في هذا الكتاب الشريف من رموز الحقائق وكنوزها ما لا يمكن الوقوف عليه إلاّ من قبل علماء هذا الفنّ وأساتذته ؛ ولذا عطف صدر المتألّهين على عبارته السابقة قائلاً : « وقد أشرت في رموزه إلى كنوز من الحقائق لا يهتدي إلى معناها إلاّ من عنّى نفسه بالمجاهدات العقلية حتّى يعرف المطالب ، ونبّهت في فصوله إلى أصول لا يطّلع على مغزاها إلاّ من أتعب بدنه في الرياضات الدينية ، لكي لا يذوق المشرب ، وقد صنّفته لإخواني في الدين ورفقائي في طريق الكشف