فالواجبُ على العاقلِ أنْ يتوجّهَ بشراشرِه إلى الاشتغالِ بالأهمِّ ، والحزمُ له أنْ يكبَّ طولَ عمره على ما الاختصاصُ لتكميل ذاتِه فيه أتمُّ ، بعدما حصلَ له من سائر العلوم والمعارفِ بقدرِ الحاجةِ إليها في المعاشِ والمعادِ ، والخلاصِ عمّا يعوقُه عن الوصولِ إلى منزلِ الرشادِ ويومِ الميعاد . وذلك هو ما يختصُّ من العلوم بتكميلِ إحدى قوّتَيه اللتين هما جهةُ ذاتِه ووجههِ إلى الحقّ ، وجهةُ إضافتِه ووجهِه إلى الخلق ، وتلك هي النظريةُ التي بحسبِ حاقِّ جوهرِ ذاتِه ، من دونِ شركةِ الإضافةِ إلى الجسم وانفعالاتِه . وما مِن علمٍ غيرِ الحكمةِ الإلهيةِ والمعارفِ الربانيّةِ إلّا والاحتياجُ إليه بمدخليّةِ الجسمِ وقواهُ ، ومزاولةِ البدنِ وهواهُ . وليس مِن العلومِ ما يتكفّلُ بتكميل جوهرِ الذاتِ الإنسيةِ وإزالةِ مثالبِها ومساويها ، حين انقطاعِها عن الدنيا وما فيها ، والرجوعِ إلى حاقِّ حقيقتِها ، والإقبالِ بالكلّيةِ إلى باريها ومنشئها وموجدِها ومعطيها ، إلّا العلومُ العقليةُ المحضةُ ، وهي العلمُ بالله وصفاتِه وملائكتِه وكتبِه ورسلِه وكيفيّةِ صدورِ الأشياءِ منه على الوجهِ الأكمل والنظام الأفضلِ ، وكيفيةِ عنايتِه وعلمِه بها ، وتدبيرِه إيّاها ، بلا خللٍ وقصورٍ ، وآفةٍ وفتورٍ ، وعلمُ النفسِ وطريقُها إلى الآخرةِ واتّصالهُا بالملأ الأعلى وافتراقُها عن وثاقِها وبعدُها عن الهيولى ؛ إذ بها يتمّ لها الانطلاقُ عن مضائقِ الإمكانِ ، والنجاةُ عن طوارق الحدثانِ ، والانغماسُ في بحار الملكوتِ ، والانتظامُ في سلك سكّانِ الجبروتِ ، فتتخلّصُ عن أسْر الشهواتِ ، والتقلّبِ في خبطِ العشواتِ ، والانفعالِ عن آثار الحركاتِ ، وقبولِ تحكّمِ دوراتِ