الأبعاد والأدوار الحسّاسة التي ينهض بها العقل للتأسيس في مجال الفكر والعقيدة , وقد نشأت في هذا الضوء جملة من الفِرق والمدارس الإسلامية التي اتخذت العقل أسلوباً ومنهجاً في الاستدلال والتفكير . وكانت المدرسة الفلسفية من جملة المدارس العقلية التي ترعرعت وازدهرت في الوسط الإسلامي , وقد كان لهذه المدرسة العريقة قادتها وروّادها , أمثال الفيلسوف يعقوب بن إسحاق الكندي ، وأبي نصر الفارابي الملقّب ب « المعلّم الثاني » ، وابن سينا الملقّب ب « الشيخ الرئيس » , وغيرهم من عظماء الفلاسفة ونوابغهم الذين بذلوا جهوداً واسعة في سبيل صياغة نظام فلسفيّ ناضج ومتفوّق , يرتبط بأفكار السابقين من الفلاسفة وينسجم في خطوطه العريضة مع مبادئ الرسالة الإسلامية الخاتمة . وما إن جاءت القرون اللاّحقة حتى ظهر فيها فلاسفة كبار أثْروا بأفكارهم الفلسفة الإسلامية , من قبيل الحكيم نصير الدين الطوسي ، والمحقق الدواني ، والسيد صدر الدين الدشتكي ، والشيخ البهائي ، والميرداماد وغيرهم , فأصبحت الفلسفة الإسلامية غنيّة بآرائهم القيّمة واستدلالاتهم العقلية الناصعة . وقد كان الحكيم والفيلسوف الإلهي « صدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي » المعروف بصدر المتألهين علماً من أعلام هذا الفن ، وواحداً من أولئك العظماء والمتألّقين في سماء الفلسفة الإسلامية , حيث قام - ونتيجة لنبوغه - ببناء وابتكار منظومة فلسفية جديدة ترتكز على أساس ما أسماه ب « الحكمة المتعالية » , وهي مدرسة فلسفية حديثة تؤمن بمنهج التوفيق بين مركّب العقل والنقل والشهود , وقد استطاعت هذه المدرسة المبتكرة - كما سيأتي - أن تعالج أهم المسائل العقدية والرؤى الكونية من خلال منهجها