5 - المناقشة والتقويم حيث انتهى بنا المطاف إلى المقارنة بين اتّجاهين يعدّان من الاتّجاهات الأساسية التي حكمت الفكر الإسلامي على مدى قرون عديدة ، لا بأس بالإشارة إلى المحاكمة ما بينهما أيضاً ولو بنحو الاختصار . فيما يتعلّق بالاتّجاه المشّائي ، فإنّنا لا يمكن أن نذعن أنّ كلّ ما وصل إليه الجهد البشري على مدار تاريخه العلمي الطويل والشاقّ في مجال القواعد العقلية والفلسفية هو مطابق للواقع ، وأنّه لا يقبل النقد والتمحيص - كما يظهر من بعضهم - لأنّ المفروض أنّ هذه القواعد هي نتيجة جهد بشري غير معصوم ، إذن فهناك عدد منها - قلّ أو كثر - يجانب الصواب والحقّ ، وفي مثل هذه الحالة سيخطئ أصحاب هذا الاتّجاه - ولو في بعض الموارد - عندما يحاولون تأويل النصوص الدينية بما ينسجم مع قواعدهم العقليّة . وهذه المشكلة التي واجهت الاتّجاه الأوّل سارية في الاتّجاه الثاني ( الكلامي ) بالكيفية ذاتها ، إن لم نقل بنحو أقوى وأشدّ ، والسبب في ذلك أنّ أصحاب هذا الاتّجاه اعتمدوا الظواهر - كتاباً وسنّة - للوصول إلى الحقائق والمعارف الدينية التي تتعلّق ب - « الرؤية الكونية » أو « أُصول الدين » ، وكان طريقهم لذلك فهمهم البشريّ ، ومن الواضح أنّ الإنسان غير المعصوم يتأثّر بالعوامل والظروف الشخصية للذهن ، التي تختلف من ذهن إلى آخر ، مضافاً إلى الإطار الثقافي والفكري الذي يحمله الفرد ، فإنّ هذه العوامل وغيرها لها الأثر الكبير في إلقاء الضوء على النصوص وفهمها . وهذا ما أدّى بالمفكّر الكبير محمّد باقر الصدر « قدس سره » إلى التمييز بين نوعين من الظهور ، هما : الظهور الذاتي والظهور الموضوعي للنصّ الديني . يقول الشهيد الصدر : « إن المراد بالظهور الذاتي : الظهور الشخصي الذي