والإجابات الدقيقة والعميقة التي أدلى بها المحقّق الطوسي في قبال ذلك ، والتي أعادت للفلسفة اعتبارها العلمي ، فإنّ مثل هذه المصادمات أدّت إلى ثراء الفلسفة من جهة ، واستغناء الكلام عن الفلسفة من جهة أخرى ، حيث إنّه لم يكن بالإمكان أن يدافع المتكلّم عن نفسه أمام هجمات الحكماء بالأسلحة ذاتها والقواعد التي نقّحت في الأمور العامّة من الفلسفة نفسها وبنيت عليها القواعد الفلسفية . من هنا حاول المتكلّمون أن يؤسّسوا بناءً عقلياً مستقلاًّ عن القواعد العقلية للفلاسفة ; لكي يستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم أمام هجمات خصومهم . وإذ لا يسع المجال للدخول في الأمور العامّة التي بناها المتكلّمون ; لأجل الدفاع بها عن معطيات الشريعة ، يكفينا شاهداً على ذلك ما اعتمده المتكلّم قبال الفيلسوف من قواعد ، من قبيل استحالة التسلسل ، وبقاء العرض زمانين ، والترجيح بلا مرجح ، والحدوث الزماني للعالم ، وجواز إعادة المعدوم ، وعدم احتياج المعلول إلى العلّة بقاءً ، وغيرها من القواعد التي وقع فيها الاختلاف بينهما ، وحاول المتكلّمون أن يستغنوا بها عن الفلاسفة . لكن لم تستمرّ هذه المصادمات كثيراً ، بل خمد أوارها من خلال المحاولة التي قام بها المحقّق الطوسي في كتابه « تجريد الاعتقاد » ، فإنّه استطاع أن يدوّن علم الكلام على الأُسس العقلية التي قامت عليها الفلسفة الإسلامية ، وناقش كلّ القواعد العقلية التي بناها المتكلّمون لأنفسهم في الأُمور العامّة ، وهذه المحاولة - بغضّ النظر عن كونها أكانت موفّقة أم لا - لا بُدّ أن تدرس جيداً من الناحية العلمية ; لمعرفة آثارها وأنّها إيجابية أو سلبية .