3 . إثبات موضوعات العلوم الأخرى من الأهداف الأساسية التي تحقّقها الفلسفة الأولى على صعيد العلوم الأخرى هي أنّ جميع العلوم بفروعها المختلفة - سواء كانت طبيعية أو غيرها - تحتاج في إثبات مواضيعها إليها . توضيح ذلك : أنّ الإنسان يبحث عن الحقائق الوجودية على ثلاثة أنحاء : النحو الأوّل : البحث عن وجودها وعدمها ، وهو ما يعبّر عنه ب « كان التامّة » وهو العلم الباحث عن الشئ هل هو موجود ؟ وإذا كان موجوداً فما هي كيفية وجوده ؟ أهو مادّي كالجسم ، أم مجرّد كالنفس ؟ النحو الثاني : البحث عن الخواصّ والآثار المرتبطة بها - وهو المعبّر عنه ب « كان الناقصة » وهو العلم الباحث عن ثبوت حالة أو أثر لشئ أو عدم ثبوته ، كالبحث عن الجسم أهو حارّ أم بارد ؟ ساكن أم متحرك ؟ ونحو ذلك . النحو الثالث : البحث عنها من حيثية إنّها « ينبغي أن توجد » أو « لا ينبغي أن توجد » وهو العلم الباحث في أنّ « العدل » مثلاً ينبغي أن يُفعل ، وأنّ « الظلم » لا ينبغي أن يُفعل . فالإجابات التي نحصل عليها من خلال النحو الأوّل هي التي تؤلّف المسائل الفلسفية بالمعنى الأخصّ ، والإجابات التي نتوفّر عليها من خلال النحو الثاني هي التي تعطينا سلسلة العلوم الطبيعية والرياضية ، والإجابات التي نقف عليها من خلال النحو الثالث هي التي تتكوّن منها المسائل الأخلاقية . وعلى هذا يتّضح الدور الذي تقوم به الفلسفة بالنسبة إلى العلوم الأخرى ، لأنّنا كلّما اقتحمنا فرعاً من فروع العلم المختلفة وجدنا أنّه يبحث عن الأحوال والأعراض التي تعرض موضوع ذلك العلم ، ومن الواضح أنّ ثبوت حالة لشئ أو تحقّق أثر له لا يمكن إلاّ في حالة وجود ذلك الشئ