هذه هي النتيجة النهائية التي يريد الفيلسوف التحقّق بها من خلال بحثه عن الحقائق الوجودية ، وهو أن يكون عالماً عقلانياً مطابقاً للعالم العيني الخارجي . ولكن حيث إنّ الإنسان لا يستطيع أن يتوفّر على بحث جميع الموجودات الجزئية لمعرفة أنّها متحقّقة وموجودة أم لا ، لأنّ ذلك خارج عن وسعه وقدرته ، فلا محالة ينحصر سعيه في معرفة الموجودات على وجه كلّي ، أي الوقوف على الأحكام العامّة « للموجود بما هو موجود » ؛ لذا قال الطباطبائي في « بداية الحكمة » : « فمسّت الحاجة بادئ ذي بدء إلى معرفة أحوال الموجود بما هو موجود الخاصّة به ؛ ليميّز بها ما هو موجود في الواقع مما ليس كذلك . والعلم الباحث عنها هو الحكمة الإلهية » [1] . 2 . معرفة العلل العالية للوجود من الفوائد الأساسية التي تترتّب على الأبحاث الفلسفية الوقوف على العلل الفاعلية والموجدة لهذا العالم المادّي المشهود لنا ، وبالأخصّ الوقوف على معرفة الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العليا . ويمكن عدّ هذه الفائدة من أهمّ الفوائد والغايات المترتّبة على الفلسفة الأولى ، ولو لم نحصل على ثمرة من البحث الفلسفي غير هذه الثمرة الطيّبة ، لكان ذلك كافياً للحثّ على دراسة هذا الفنّ والوقوف على مسائله . فحيث إنّ معرفة الله سبحانه وصفاته وأفعاله تشكّل مجموعة من المسائل التي تتمّ دراستها في علم « الإلهيات بالمعنى الأخصّ » ومن الواضح أنّ جميع هذه المسائل مبنيّة على مجموعة أخرى من المسائل الأكثر عموماً وكلّية ، بحيث تدخل في نطاقها الأمور الحسّية والمادّية أيضاً ، وذلك من قبيل أنّ الموجودات
[1] بداية الحكمة ، للأستاذ العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة : ص 7 .