وأن تكون كلّية أي في الصدق بحسب الأحوال ، وإلاّ كذب في بعضها ، فلم يمتنع الطرف المخالف ، فلم يحصل يقين ، وهذا خلف . وأن تكون ذاتية المحمول للموضوع ، أي بحيث يوضع المحمول بوضع الموضوع ويرفع برفعه مع قطع النظر عمّا عداه ، إذ لو رفع مع وضع الموضوع أو وضع مع رفعه لم يحصل يقين ، وهذا خلف » [1] . واليقين في مثل هذه القضيّة اليقينيّة التي ذكرها العلاّمة هو اليقين المنطقي المركّب ، والذي يعني العلم بضرورة ثبوت المحمول للموضوع واستحالة انفكاك أحدهما عن الآخر في جميع الأحوال والأزمنة . 5 . وجود الموضوع الواحد في العلوم البرهانية والذي يهمّنا في المقام هو التعرّض للشرط الرابع من شروط القضيّة اليقينيّة البرهانية ، وهو ذاتية المحمول للموضوع ، فإنّ معنى الذاتية - على ما بيّناه سابقاً - هو أن يكون الموضوع في نفسه كافياً لاستخراج المحمول من ذاته وحمله عليه ، من قبيل حمل الامتناع على اجتماع النقيضين ، فإنّ الامتناع منتزع ومستخرج من ذات تصوّر اجتماع النقيضين ومحمول عليه ، ومع عدم ذاتيّة المحمول للموضوع لا مجال لجريان البرهان والحصول على نتيجة يقينيّة . والحاصل : إنّ البرهان هو القياس الوحيد المنتج لليقين المنطقي ، ولكي نصل إلى ذلك اليقين لا بدّ أن تكون مقدّماته يقينيّة ، ومن شرائط اليقين في تلك القضايا أن يكون المحمول ذاتيّاً للموضوع ، ومعنى الذاتية هو أن يكون المحمول عرضاً ذاتيّاً للموضوع ، أي منتزعاً ومستخرجاً من ذاته ومحمولاً عليه ، وهذا يعني أنّ البرهان والقياس البرهاني لا يمكن أن يتحقّق أو يجري في علم من العلوم ، إلاّ إذا كان المحمول في قضاياه ومسائله عرضاً ذاتيّاً لموضوع ذلك العلم ، لا يحتاج في عروضه وحمله عليه إلى واسطة في العروض ، وحيث قد ثبت في محلّه وجود جملة من المسائل البرهانية التي يجري فيها البرهان ، فلا بدّ أن تكون الرابطة بين موضوعاتها ومحمولاتها رابطة ذاتية برهانيّة . وإذا ثبت لدينا وجود موضوع واحد وله محمولات ذاتية كثيرة ، بعضها في عرض البعض الآخر ، وتحمل عليه مباشرةً من دون واسطة في العروض ،
[1] الحكمة المتعالية ، صدر المتألّهين ، مصدر سابق : ج 1 ص 30 ، الحاشية رقم : ( 1 ) .