وعبارته واضحة في أنّ منشأ « ينبغي ولا ينبغي » ليس اعتبار المعتبر ، بل المنشأ هو تلك الميول الواقعيّة النفس أمرية . التنبيه الثالث : هل لكلّ علم موضوع ؟ ذكرنا سابقاً بأنّ صدر المتألّهين بدأ في الفصل الأوّل من الأسفار بتعريف وتحديد موضوع الفلسفة ، وتمييزه عن موضوعات سائر العلوم الأخرى . وقلنا أيضاً بأنّ هذا البحث يستند إلى قاعدة كبرويّة ذكرها المناطقة ، وهي ضرورة وجود موضوع واحد لكلّ علم ، بحيث يكون ذلك الموضوع الواحد جامعاً بين موضوعات مسائل العلم ومنطبقاً عليها ، وقد افترض المصنّف أنّ هذه المسألة من الأصول الموضوعة الثابتة في محلّها من علم المنطق ، ثمّ أسّس في ضوئها الضابطة في تحديد موضوعات العلوم وتمييزها عن موضوع الفلسفة . وقد اختلفت أقوال المحقّقين من الفلاسفة وعلماء الأصول في هذه القاعدة ، وافترقت إلى ثلاثة أقوال : القول الأوّل : هو الذي يثبت ضرورة وجود موضوع واحد لكلّ علم من العلوم ، سواء كان ذلك العلم من العلوم الحقيقيّة التي يجري فيها البرهان أم كان من العلوم الاعتباريّة التي لا يجري فيها القياس البرهاني . وهذا القول هو الذي يظهر من كلام صاحب الكفاية ، حيث قال في مقدّمة الكتاب : « إنّ موضوع كلّ علم - وهو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ، أي بلا واسطة في العروض - هو نفس موضوعات مسائله عيناً وما يتّحد معها خارجاً ، وإن كان يغايرها مفهوماً تغاير الكلّي ومصاديقه والطبيعي وأفراده » [1] ، فإنّ ظاهر هذه العبارة أنّ لكلّ علم موضوعاً واحداً