من أغراضه الشخصيّة المفيدة له ، بل قد يتصوّر بأنّها على خلاف أغراضه ومنافية لمنافعه الشخصيّة ، فإنّه في مثل هذه الأغراض المهمّة يتدخّل العقل الذي شخّص أهمّيتها ويُوسّط عنواناً اعتباريّاً بين تلك الأغراض التكوينيّة وبين تحقّقها في الخارج ، وذلك العنوان هو الذي يسمّى ب « ينبغي ولا ينبغي » عند العقل ، وهذا نظير ما ذكره علماء الأصول ، من أنّ الأحكام الشرعيّة - كالوجوب والحرمة - أمور اعتبارية ناشئة من المصالح والمفاسد التكوينيّة في نفس متعلّقاتها . إذن فالإنبغاء التشريعي - سواء صدر من الشارع بما هو مشرّع أو من العقل بما هو مدرك للحسن والقبح - وإن كان أمراً اعتباريّاً ، إلاّ أنّه ليس من الأمور الاعتبارية المحضة ، وإنّما هو اعتبار نفس أمريّ واقعيّ ناشئ من مصالح تكوينيّة ، وهكذا الحال في عدم الإنبغاء فإنّه اعتبار نفس أمريّ ناشئ من مفاسد تكوينيّة في الواقع الخارجي ، وقد وقع خلط عند بعض الكتّاب المعاصرين بين الاعتباريّ المحض الذي بيد المعتبر رفعه ووضعه وبين ما هو اعتباريّ نفس أمريّ ناشئ من مصالح ومفاسد واقعيّة ، لا تقلّ أهمّية عن مصلحة الماء في رفع العطش . وقد أشار إلى ما ذكرناه الطباطبائي في تفسير الميزان ، حيث قال : « فقوانا الغاذية أو المولّدة للمثل بنزوعها نحو العمل ، ونفورها عمّا لا يلائمها ، يوجب حدوث صور من الإحساسات ؛ كالحبّ والبغض ، والشوق والميل والرغبة ، ثمّ هذه الصور الإحساسيّة تبعثنا إلى اعتبار هذه العلوم والإدراكات من معنى الحسن والقبح ، وينبغي ولا ينبغي ، ويجب ويجوز ، إلى غير ذلك ، ثمّ بتوسّطها بيننا وبين المادّة الخارجيّة وفعلنا المتعلّق بها يتمّ لنا الأمر » [1] .
[1] الميزان في تفسير القرآن ، العلاّمة الطباطبائي ، مصدر سابق : ج 2 ص 115 .