موجوداً فلا بدّ أن يبحث في الأمور العامّة التي هي كان التامّة للموجودات ، وذلك للوقوف على حقائق الأشياء ، ثمّ يأتي الدور للعلوم الأخرى التي تبحث في الأحوال والخصائص وكان الناقصة للأشياء ، عند ذلك يأتي دور الحكمة العمليّة لتقول للإنسان : إنّ هذا ينبغي لك ، وهذا لا ينبغي . التنبيه الثاني : « ينبغي » و « لا ينبغي » في الحكمة العملية وقع الاختلاف بين الأصوليّين والفلاسفة في تحديد حقيقة وهويّة حكم العقل ب - « ينبغي ولا ينبغي » ، وقد نُسب إلى جملة من الحكماء القول باعتباريّة هذه القضايا ، من قبيل حكم العقل بحسن العدل وقبح الظلم ، ونُسب إلى العلاّمة الطباطبائي أيضاً في « الميزان » القول باعتباريّة تلك القضايا ، وأنّها ليست قضايا واقعيّة نفس أمرية . والصحيح : أنّ الطباطبائي وكذا سائر الفلاسفة لا يقولون بأنّ هذه القضايا أمور اعتبارية محضة ، وإنّما هي قضايا اعتبارية نفس أمرية ، ناشئة من مصالح ومفاسد تكوينيّة واقعيّة . توضيح ذلك : إنّ الإنسان إذا أدرك حقيقة شئ ، وأدرك أيضاً أنّ ذلك الشئ ممّا يتّفق مع أغراضه الشخصيّة والتكوينيّة ، فإنّه ينبعث بحسب فطرته إلى تحصيل ذلك الشئ . فمثلاً : إذا أحسَّ الإنسان بالعطش ، وأدرك بأنّ الماء هو الذي يرفع عطشه ، فإنّه ينبعث ويتحرّك لتحصيله بمقتضى تكوينه وفطرته ، ولا يحتاج إلى الإنبغاء التشريعي من قبل العقل ، لأنّه تحصيل للحاصل ، بل هو من أردأ أنحاء تحصيل الحاصل ؛ إذ هو تحصيل لما هو حاصل تكويناً . ولكن هناك مجموعة من الأغراض التكوينيّة التي لا تقلّ في أهمّيتها عن الماء في رفعه للعطش ، إلاّ أنّ الإنسان جاهل بأهمّيتها ، ويتصوّر بأنّها ليست