وهذا هو معنى قول الحكماء : إنّ المفهوم البديهيّ هو الذي يكون معقولاً « بنفس ذاته ، ولا يحتاج فيه إلى توسيط شئ آخر ، فلا معرّف له من حدّ أو رسم » [1] ، أي إنّنا لا نحتاج إلى توسيط مفهوم آخر لكي نتعرّف عليه ، وهذا خلافاً للمفهوم النظري ، فإنّه مفتقر إلى توسيط مفهومٍ أو أكثر للوصول إلى حقيقته ومعناه . إذن : الملاك في كون المفهوم بديهياً هو أنّه لا يحتاج إلى التعريف المنطقي للوقوف على حقيقته وحدّه وماهيّته . المختار لضابط البديهي والنظري في التصورات إنّ التعريف موطنه المفاهيم والتصوّرات الذهنية لا الواقع الخارجي ، والذي يهمّنا من المفاهيم في المقام هي المفاهيم الفلسفية والمفاهيم الماهوية . ثم إنّ المفاهيم الماهوية تنقسم إلى مفاهيم مركّبة كالجسم ، وإلى مفاهيم ماهوية بسيطة كالمقولات العالية من قبيل الكمّ والكيف ، وأمّا المفاهيم الفلسفية فلا تكون إلاّ بسيطة ، ولا يوجد لدينا مفهوم فلسفيّ مركّب . وعلى هذا الأساس فالمفاهيم الماهوية المركّبة يمكن تعريفها بالجنس والفصل الذي هو التعريف المنطقي الحدّي ، كما يمكن تعريفها أيضاً بالعرضيّ العامّ والعرضيّ الخاصّ وهو التعريف بالرسم ، والمفاهيم الماهوية البسيطة كالمقولات العالية ، فلخلوّها عن الأجزاء الداخلية لا جنس لها ولا فصل ، فلا يمكن تعريفها تعريفاً حدّياً ، وإنّما يتمّ تعريفها بالعرضيّ العامّ والعرضي الخاصّ وهو التعريف بالرسم ، على أن تكون تلك التعاريف والمعرِّفات - بالكسر - أجلى وأوضح مفهوماً من المعرَّف - بالفتح - وإلا فلا يكون تعريفاً حقيقياً .
[1] بداية الحكمة ، محمد حسين الطباطبائي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم المقدّسة : ص 11 .