والحاصل : إنّ الإنسان يفوق باقي الحيوانات في علومه سعةً وعمقاً ببركة ما وهبه الله تعالى من نعمة التفكير والقدرة على الانتقال من المعلوم للإجابة على المجاهيل . الأمر الثاني : الميول والأهداف لا شكّ أنّ النتائج التي وصلنا إليها في الأمر الأوّل وهي سعة وعمق المعرفة الإنسانية تنعكس بدورها على ما نريد بيانه في الأمر الثاني ، فإنّ الأهداف والغايات والميول الإنسانيّة تتأثّر طرداً وعكساً بحجم سعة وعمق معرفة الإنسان ، فكلّما كان الشخص أوسع وأعمق علماً كان هدفه أسمى وأشرف ممّن هو أضيق وأكثر سطحيّة في درجته العلميّة ، فالأهداف والغايات تتفاوت بسبب تفاوت العلم من شخص إلى آخر ، ولذا قال تعالى : * ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) * [1] . فكما أنّهم لا يستوون في المقدّمات فكذلك لا يستوون في النتائج والأهداف التي يتوصّلون وينتهون إليها . ويترتّب على ذلك أنّ الإنسان إذا كان يمتلك سعةً في العلم وعمقاً في المعرفة ، لا يكتفي بالأمور المادّية في رسمه للأهداف والغايات التي يصبو إليها ، بل يرتقي بها إلى الأمور المعنوية الخارجة عن نطاق عالم المادّة ، وأمّا من لم يمتلك تلك المرتبة من العلم - التي بها أصبح الإنسان إنساناً - فهو لا يختلف كثيراً في ميوله وأهدافه عمّا ذكرناه في سائر الحيوانات ، بل هو أضلّ سبيلاً . مضافاً إلى ذلك : إنّ الإنسان بعلمه الخاصّ الذي بيّناه لا تكون أهدافه فرديّة ولا شخصيّة ولا يكون حبيس الزمان أو المكان . ثمّ إنّ تلك الميول والأهداف الفطرية النابعة من وجود الإنسان بصفة