نحو القطع واليقين بالوقوف على حقائقها الخارجيّة . وليس المقصود من معرفة أحوال الموجودات عن طريق العلوم العقليّة هو اكتناه ذوات الأشياء والوقوف على تمام حقيقتها ، وإنّما المراد من ذلك أنّ الإنسان يتعرّف على الأشياء في الواقع بحسب وسعه وطاقته ; ولذا أضاف صدر المتألّهين إلى تعريف الفلسفة قائلاً : « بقدر الوسع الإنساني » فالمعرفة الفلسفيّة للأشياء محدودة وتابعة لقدرة الإنسان واستعداده . ومن هنا يتّضح أنّ الاختلاف في فهم الحقائق وإدراكها تابع لتنوّع الاستعدادات وتفاوتها ، فالحقيقة واحدة مطلقة والتفاوت في الفهم والإدراك . ثمّ إنّ هذا التعريف بألفاظه قد ذكره الشيخ الرئيس في منطق الشفاء ، حيث قال : « إنّ الغرض في الفلسفة أن يوقف على حقائق الأشياء كلّها على قدر ما يمكن الإنسان أن يقف عليه » [1] . التعريف الثاني : نظم العالم نظماً عقليّاً وهو ما أشار إليه المصنّف بقوله : « وإن شئت قلت : نظم العالم نظماً عقليّاً على حسب الطاقّة البشريّة » ، والمراد من هذا التعريف هو أنّ الفلسفة عبارة عن النظم العلمي والعقلي المطابق لنظام العالم الخارجي . بيان ذلك : إنّنا عندما نأتي إلى الواقع والعالم الخارجي نراه قائماً على أساس نظام خاصّ ، وهو نظام السببيّة والمسبّبيّة والعلّية والمعلوليّة ، وبالتعبير القرآني : إنّ هذا العالم مخلوق على أساس القوانين والسنن الإلهيّة الثابتة التي لا تتبدّل ولا تتحوّل ، كما في قوله تعالى : * ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ
[1] الشفاء ، قسم المنطق ، ابن سينا ، تحقيق الأستاذين : الأب قنواتي وسعيد زايد ، منشورات ذوي القربى ، قم : ج 1 ص 12 .